الجديد

هل تعيد البطولة العربية تماسك "اللوبي الساحلي" ؟

هشام الحاجي
تعتبر الرياضة في تونس، من اكثر الانشطة ارتباطا بالشأن السياسي، و ذلك منذ ان تأسست الجمعيات الرياضية، لتعبئة الشعب ضد الاستعمار، وصولا الى المرحلة الحالية، التي يستمر و يتواصل فيها انتاج “دولنة الرياضة”، في اطار علاقات التأثير و التأثر القائمة بين المجالين.
و هذا الارتباط، هو الذي يفسر الى حد كبير اهمية بعض الجمعيات الرياضية، و خاصة منها تلك التي تمتلك قاعدة جماهيرية عريضة، و التي يعتبر النجم الرياضي الساحلي احدها، مع امتلاكه لخاصية لا تمتلكها الجمعيات الرياضية التونسية الاخرى، و تتمثل في انه يمثل انطلاقا من تسميته تعبيرا عن جهة من جهات تونس، في الوقت الذي ترتبط فيه اغلب الجمعيات الاخرى- باستثناء النادي الافريقي- بمدينة او حي سكني .
و هذه الخصوصية جعلت النجم الرياضي الساحلي، في السنتين الاخيرتين محل صراع حاد بين بعض الشخصيات المتنفذة سياسيا، من اجل التحكم في مقاليده، تنافس بين “اصدقاء الامس “، و نعني عائلتي جنيح و ادريس من جهة، و رضا شرف الدين من جهة اخرى، في اطار الخلاف الذي استجد صلب السلطة التنفيذية، بين الباجي قائد السبسي و يوسف الشاهد، بعد ان اختار رضا شرف الدين الاصطفاف خلف رئيس الجمهورية، و انحازت عائلة “ادريس- جنيح ” الى رئيس الحكومة.
و تتأتى اهمية النجم الرياضي الساحلي، من ان هذه الجمعية تحظى بشعبية جارفة، على امتداد منطقة الساحل التونسي، التي تضم من الناحية الادارية ثلاث ولايات، و هي سوسة و المنستير و المهدية، و هو ما يجعلها اداة “رتق متميزة” لبعض الشروخ ، التي قد تظهر على الاحساس بالانتماء للساحل، كالتمايز الذي ظل قائما بين من يعتبرون انفسهم من المنحدرين منذ اجيال من مدينة سوسة و الوافدين اليها من مدن و قرى اخرى، الى جانب “الحساسيات المتوارثة ” خاصة بين مدينتي سوسة و المنستير، و التي غذاها الرئيس الاسبق الحبيب بورقيبة، بسياساته التي اعتبرت تمييزا ايجابيا مبالغا فيه للمنستير، و محاولة لتهميش سوسة و الحد من دورها .
و من المفارقات ان الحبيب بورقيبة، الذي يتهم بالانحياز للمنستير هو الذي كان وراء تشكيل “اللوبي الساحلي”، و هو ما تؤكده عديد المعطيات و من اهمها ما تضمنه الكتاب القيم، الذي اصدره اخيرا الصحفي الباحث، محمد علي الحباشي، تحت عنوان ” السواحلية زمن البايات …و الدولة البورقيبية – وثائق نادرة”
وحول “الحظوة”، التي وجدتها هذه الجهة في ظل “الدولة الوطنية “، و التي جعلها تستأثر “سياسيا بأعلى نسبة من الحقائب الوزارية، في مختلف التشكيلات الحكومية، على امتداد العشريات الثلاث من الحكم البورقيبي “( كتاب الحباشي ص 119) ، و قد انعكس هذا الحضور في ظل دولة تدار بطريقة مركزية، في التواجد في اهم مواقع القرار الاداري و السياسي، و هو ما كانت له تداعياته السياسية و الاقتصادية الايجابية،  على جهة الساحل التي كانت في بداية الاستقلال، جهة “طاردة للسكان ” من خلال اقبال ابنائها على الهجرة للخارج، لتتحول بفضل انتعاشه القطاع السياحي،  و تطور الصناعة و الخدمات و الفلاحة ، الى جهة تستوعب اعداد متزايدة من ابناء الولايات الاخرى، و هو ما يجعلها تعرف اعلى كثافة سكانية ( 146ساكن في الكلم مربع مقابل 42 في بقية الجهات) .
و لا شك ان تطور جهة الساحل، لا يعود الى السياسات التي اتبعتها دولة الاستقلال فقط، بل يجد  جذوره في بعض المعطيات السوسيولوجية، التي من اهمها قدرة اهل الساحل التونسي ، على المراوحة بين الانفتاح على العالم و بقية الجهات، و هو امر يفرضه البحر و انبساط التضاريس و الابقاء على شبه ثقافة فاعلة تتجسد الى جانب التقاليد في لهجة لها مفرداتها الخاصة و ايقاعها المميز.
لقد اندمجت في “الشخصية القاعدية الساحلية ” افواج من الوافدين الى الجهة من داخل الجمهورية،  و انصهرت في صلبها قبائل تخلت عن الانتماء القبلي، و هو ما يقيم الدليل على قدرة الجهة على الاضطلاع بأدوار على المستوى الوطني.
كما برز ذلك في مواجهة تعسف البايات و محلة زروق عند مضاعفة المجبى و في النضال ضد الاستعمار،  اذ لعب “السواحلية” دورا هاما في هذا المجال . و اذا كان جاك بيرك يعتبر انه لا يمكن الفصل بين التاريخ الاجتماعي لتونس و شجرة الزيتون،  فان هذا الاستنتاج يتجسد اكثر في جهة الساحل، التي مكنها الارتباط بهذه الشجرة من تجنب الترحال، و ساهم في خلق اسباب ارتباط اخرى بينها و بين بقية الجهات،  و جعلها من اكثر مناطق تونس في تلاصق و تسلسل التجمعات الحضرية و هو ما يمثل ثقلا انتخابيا لافتا في كل الاستحقاقات الانتخابية (التشريعية و البلدية والرئاسية) .
و يبقى السؤال كيف سيتصرف ” اللوبي الساحلي” في الاستحقاقات الانتخابية القادمة ؟ و هل سيمنح النجم الرياضي الساحلي رضا شرف الدين “بريقا ” كاد يفقده مؤخرا بعد ان اختار الابتعاد عن صراع “بلدية السياسة ” الدائر بين الباجي قائد السبسي و يوسف الشاهد،  الذي يحافظ من خلال علاقات المصاهرة، على صلات بهذه الجهة،  التي تمثل رقما هاما في المعادلة السياسية التونسية منذ عقود.

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP