الجديد

خالد شوكات

هل ستدفع “الكورونا” الانسانية نحو “اللاعنف”؟

بقلم: خالد شوكات

من التحوّلات الفكرية والمراجعات الأيديولوجية التي عشتها خلال السنوات الأخيرة إيماني ب”اللاعنف” فلسفة حياة.. واعتبر نفسي محظوظا لأني ولدت زمن السلم، ولم تضطرني الحياة للانخراط في أي عنف يمكن للإنسان أن يندم عليه دون قدرة على تصحيح آثاره، واقتصر الامر على ندمي على مواقف كنت عنيفا فيها لفظيا أو معنويا، فالعنف اللفظي أو المعنوي هو عنف ايضا، قد يكون ضرره أقل نسبيا قياسا بالعنف المادي او الجسدي ولكنه خطأ وحماقة وانحراف علينا مجاهدة أنفسنا حتى لا نقع فيه مرّة أخرى، ورجائي من الله ان لا نقع فيه.

الكورونا كما توصّل الى ذلك عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين والباحثين الذين أدلوا بدلوهم في هذا الموضوع المستجد، نقطة مفصلية في تاريخ العلاقات الدولية، شبيهة بمؤتمر باريس الذي أنهى الحرب العالمية الاولى، ومؤتمر يالطا الذي أنهى الحرب العالمية الثانية، وانهيار جدار برلين الذي أنهى العالم ثنائي الأقطاب، فالعالم ما بعد هذه الجائحة الكونية.

كما أشار الى ذلك الكثير، لن يكون هو العالم كما كان من قبل، ولعل من أهم المحدّدات التي بمقدورنا اثارتها، ما ستكون عليه نسبة العنف في العالم مستقبلا وما اذا كانت الكورونا ستصنع عالماً أقل عنفاً أم أنها ستدفع المنظومة الدولية الى حروب اكثر قذارة على نحو ما يتوقع البعض، من نوع الحروب البيولوجية مثلا، الحروب البكتيرية وحروب الفيروسات وغيرها. ان الانسانية تنضج كما ننضج، وانا ممن يؤمن بوحدة التاريخ البشري.. البشرية تتقارب كل يوم اكثر..

وعلى الرغم مما ستخلقه الكورونا من بعض الردّات الحضارية التي ستدفع بلدانا للعودة الى ما يسمى بالدولة الوطنية او القومية المنغلقة جراء شعور البعض بخذلان المنظومة الدولية او الاقليمية لها في حربها على هذا الفيروس الوبائي، الا ان صوت الحكمة والعقل الذي سيرشد اصحابه الى الصواب، سيعيد الحكومات والدول الى طريق العمل الإنساني المشترك، فهذه الجائحة العادلة اكدت على وحدة العنصر البشري وحطمت جدران التمييز العنصري وقالت لمن اعتقدوا انه بمقدورهم العيش في جزيرة معزولة كأوروبا او امريكا الشمالية، انهم مخطئون تماما، وان الفيروسات لا تعترف بحدود ولا جيوش جبارة مجهزة بأعتى انواع الأسلحة ولا سياسات أنانية منغلقة..

لقد أعلنت المكسيك الفقيرة غلق حدودها بنفسها مع الولايات المتحدة الغنيّة، فجدار ترامب سيّء السمعة سقط دون ان يسقطه أحد.. وأعلن المهاجرون السرّيون في بيان سرّي معلن من طرف واحد ايقاف قوارب موتهم فلم تعد اوربا محتاجة إذًا لحماية سواحلها.. وامام هذا الفيروس الاستثنائي تحوّل البينتاغون الى احدى مؤسسات الاغاثة الصحية، وأضحى واجب الجيش الصيني فرض حجر صحي صارم على الشعب في يوهان ومحيطها، واضحت وظيفة الجيش الايطالي نقل جثث الموتى الى المقابر.

.. تقديري ان الحكم الرشيد سيوجّه الدول والحكومات الى الكف عن الاستثمار في العنف، في التسلّح اساسا، والاستثمار اكثر في اللاعنف، في التربية والبحث العلمي والمعرفة والثقافة والفن، وفيّ كل ما يشجع على إقامة منظومة دولية جديدة تجعل البشر يتعاونون على البرّ والتقوى ولا يتعاونون على الاثم والعدوان. لقد وقفت البشرية منذ مؤتمر أستكهولم سنة 1972، على أزمة المناخ الكونية، وفرضت الاجندة البيئية نفسها على المنظومة الاممية، ثم وقفت في مؤتمر ريو دي جانيرو سنة 1992 على قضية التنمية المستدامة وضرورة جسر الهوة بين جنوب الكرة الارضيّة وشمالها، وهي اليوم مطالبة بالوقوف على أزمة العنف وقضية السلام.. الانسانية ستتجه اكثر نحو المعرفة الخضراء ونحو التنمية المستدامة لجميع البشر وكذلك نحو اعتناق “اللاعنف” فلسفة حياة.. العنف تعبير عن الجانب المتوحّش في الانسان، واللاعنف اعلى درجات الوعي والتحضر.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP