الجديد

هل يشيع الأمريكيون الشعبوية ؟

شعبان العبيدي

يعيش العالم اليوم تحوّلا كبيرا وخطيرا طبيعيا وحضاريا وجيو سياسيا، فمع توحّش العولمة وفتح أبوابها لدخول جيل جديد من رأسمال المافيا العالمية المتحالفة مع الإرهاب العالمي وتبييض الأموال والتّجـــارة غير المشروعة، وهو ما يسميه “نيكولاس شاكسون” “عوالم الأوف شور” القائمة على السّرقة والنّهـــب. هذه المافيا الجديدة التي باتت على مستوى العالم شمالا وجنوبا وشرقا وغربا تتحكّم في صياغة سياسات العالم والتحكّم في الدّيمقراطيات والانتخابات الّتي باتت ملاذات شكلية للبــزنس السياسي والمالي. وتلك هي الأوجه القذرة للديمقراطية، والعوامل الأساسية لتنامي صعود الزعامات الشعبوية في دول العالـــم اليوم تحت عناوين مختلفة. والّتي باتت تهدّد بحروب عرقية ودينية واستعمارية جديدة.

تأتي الانتخابات الأمريكية في أكبر ديمقراطيات العالم لتشدّ الأنظار لأوّل مرّة بهذا الشّكل وذلك لأسباب عدّة منها: أنّها انتخابات تجري في ظلّ وباء يضرب الولايات المتّحدة بصورة كبيرة، واجهها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” باستهزاء وسخرية وتهجّم على الأطباء وعلى العدّو الأكبر جمهورية الصين الشعبية معتمدا أسلوب التهديد والتوعّد بالانتقام. ومنها أنّها تأتي في عهد رئيس ملأ الدّنيا وشغل النّاس بأسلوبه وتمرّده على كلّ تقاليد الخطاب السياسي وتهكّمه من العرب والأقليات العرقية مثلما ذكر ذلك محاميه “مايكل كوهين” في كتابه الذي أصدره أخيرا مثل قوله (أخبروني بدولة واحدة تولّى زمام الأمور فيها شخص أسود ولم تكن بؤرة قذرة. إنّها جميعها مراحيض قذرة). ومنها مشاريعه الانتخابية التي جاء بها والمتمثلة في إقامة سياج لمنع تسلّل الأمريكيين الجنوبيين وتوقيف الهجرة. ومنها بالنسبة إلى البلاد العربية صفقة القرن وضغطه المتوالي من أجل إنجاح عمليات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل             والتمرّد على قرارات مجلس الأمن في دعم الاستيطان وتهويد القدس.

ومعنى ذلك أنّ الفترة الرئاسية لترامب كانت مقلقة للعالم، كانت تهدّد كلّ مرّة بالانفجار. ولذلك نعتبر أنّ الأمريكيين قد اختنقوا بساسة ترامب. وأصبح التغيير حاجة ملحّة. وبقطع النّظر عن نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى تقدّم غريمه الدّيمقراطي “جو بايدن” في كثير من الولايات وهو ما تؤكّده حتّى الآن المعطيات الأولية. فقد قدّم “ألان جي ليختان” قراءة مدقّقة على رحيل ترمب. خصوصا وأنّ الأستاذ الشرفي لقسم التاريخ بجامعة واشنطن قد صحّت توقّعاته في الانتخابات الأمريكية السّابقة منذ 1984 إلى 2016، معتمدا في ذلك على ما يسميه مفاتيح الوصول إلى البيت الأبيض وهي 13 مفتاحا، تبيّن من خلالها أنّ ترمب يستعد لحزم حقائبه الزوبعة التي أثارها خلال فترة حكمه. واعتبر أنّها تتعارض مع نتائج استطلاعات الرأي. مستندا في ذلك إلى نتائج الانتخابات الأمريكية في الرئاسيات السّابقة مع جورج بوش الأب ضدّ مايكل دوقلاس” ثمّ توقع الفوز ل”براك أوباما” عام 2008 ثم عام 2010.

وتبرز هذه المفاتيح في أوّلها خشارة الجمهوريين ل41 مقعدا في مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي عام 2018. وثانيها الفضائح التي لاحقت دونالد ترامب حول التدخّل الروسي في الانتخابات السابقة وكان من نتائج ذلك تصويت مجلس النّواب بالأغلبية الديمقراطية على عزل ترمب. وثالثها فشل سياسات ترمب العسكرية والسياسية الخارجية وفشل كلّ مبادراته. ورابعها أنّ غالبية الأمريكيين يعتبرونه رجلا غير أمين ومخادع، فقد تعرّضت البلاد في عهده وبسبب لامبالاته إلى أزمتين قاسمتين للظهر، ستكون لها مخلّفات خطيرة على حياة الأمريكيين ونفوسهم وهي خطر وباء كورونا الذي تعاملت معه رئاسته في البداية بضرب من السخرية والاستخفاف حتّى عصف بأرواح الألاف ومازال يضرب الأمريكيين بقوّة مع ما انجرّ عنه من بطالة وركود اقتصادي وأزمة خانقة.

ومن جهة أخرى الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت على إثر مقتل شاب أسود، وأثيرت خلالها انتقادات قديمة جديدة لمرض العنصرية وكراهية الأقليات التي تصاعدت مع وصوله إلى الحكم وخطاباته ومواقفه العنصرية. ومنها دخول الاقتصاد الأمريكي بسبب سياسات ترمب والحرب الاقتصادية التي أدخل فيها البلاد مع شركائها من الصين إلى أوروبا. ومنها تدهور نمو الدخل الفردي الأمريكي عام 2020. كلّها دلائل على رحيل دونالد ترمب وانتهاء مرحلة الشّعبوية البغيضة. ليحلّ محلّه الرئيس المخضرم والسياسي العجوز الذي يبلغ من العمر 77 عاما، والذي اشتغل طويلا بالسياسة في البيت الأبيض ومستشارا للرئيس السابق.

ومن المنتظر أنّه مع رحيل الرئيس الذي يتكلّم كثيرا ويقول كلّ شيء وأي شيء حتّى أنّ الصحفي السويدي “كرستيان ويدال” كتب فيه مقالا تهكميا ساخرا طريفا حول حملته الانتخابية بعنوان “سأكتب من الآن كما يتكلّم ترامب” أن تعرف السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية نزوعا إلى التهدئة وإلى استعادة علاقاتها عالميا، والتوجّه نحو حلّ القضايا العالقة مع إيران والصين ومع أوروبا بالحوار والعمل الديبلوماسيّ.  فهل تستعيد الدّول العربيّ الملف الفلسطينيّ بقوّة مع الرئيس الأمريكيّ الجديد، وتدفع بدبلوماسيتها باتّجاه التّراجع عن الخطوات المنافية لقرارات مجلس الأمن التي اتّخذها الرّئيس الأمريكي الرّاحل؟

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP