هل يمكن إصلاح شركة والدولة تعرج ؟
خالد شوكات*
أشفق على السيدة ألفة الحامدي حقّاً، وبصرف النظر عن الجدل الذي أحدثه تعيينها، وانتقاد البعض لذلك بناء على تواضع خبرتها بحسب سيرتها الذاتية المقدّمة، وتشكيك البعض الاخر حتّى في شهائدها ومزاعم تخصصاتها الخارقة، فإن فكرة تعيين الشباب الطموح ليست فكرة سيئة، كما أن الخبرة أو حتى الشهائد ليست دائما شرطا لتحقيق النجاحات، والدليل أن بناة الدولة الوطنية الذين رافقوا الزعيم بورقيبة في حكوماته مباشرة بعد الاستقلال كانوا شبابا في العشرينيات والثلاثينيات من أعمارهم، وكان أكبرهم سنّاً ربما في الأربعينيات.
وأنا لست من الذين يعتقدون بأن هؤلاء، من قبيل أحمد بن صالح أو محمد مزالي أو الباجي قائد السبسي أو أحمد المستيري أو البشير بن يحمد، كانوا طفرة استثنائية أو عباقرة أكثر ذكاءًا من الشباب التونسي الراهن، وليس أدلّ على ذلك من تهافت هذه الانطباعات الرائجة من قبيل تجربة وزراء بن علي الفريدة، خصوصا أولئك التكنوقراط، فعندما تمت الاستعانة بهم بعد الثورة، لم يكن آداؤهم مختلفا كثيرا عن أداء زملائهم ممن لم يسبق لهم أن جرّبوا الحكم، وهو ما أثبت أن السرّ ليس في البشر كبشر، ذلك أنَّ مواهب التونسيين عبر الاجيال تكاد تكون متساوية، إنما علينا البحث في مكمن آخر نعتقده الأكثر ارتباطا بالعلة الحقيقية والأكثر قدرة على إفهامنا الفرق في نجاح المسؤولين الشباب سابقا وتعثّرهم الملحوظ إبان هذا العهد السعيد شديد التعقيد ربّما.
العامل المحدّد للنجاح كما أرى هو مدى توفّر سياق عامل ملائم للإصلاح ومساعد عليه من عدمه، ومن هنا السؤال الأساسي الذي يجب أن نجيب عليه: هل يمكن إصلاح شركة عمومية أو حتى وزارة والدولة برمّتها سقيمة عرجاء؟ وهل يمكن لمدير عام أو حتّى وزير أن ينجح في ظل حكومة لا تَحرُّكها ذات الدوافع الاصلاحية ومؤسسات حكم وأطراف ذات صلة متصارعة متنازعة منقسمة متحاسدة متباغضة يتصيد احدها للاخر الأخطاء ويضع العصى ويكيد لأخيه كيدا حتى يفشل بدل ان ينافسه في النجاح، ناهيك أن يعضده ويعينه.
إن إصلاح تونس الجوية، أو غيرها من الشركات والمؤسسات العمومية يحتاج الى اكثر من رئيس مدير عام مهما كان شابّاً ومهما كان طموحه، بل يحتاج الى اكثر من وزير داعم من ذوي النوايا الطيّبة والشخصية القوية. انه يحتاج الى رئيس حكومة صاحب رؤية اصلاحية شاملة وبرنامج عمل تغييري كامل، حيث يجب ان تعضد القطاعات المختلفة بعضها بعضا، واذا ما استجدّ خلاف مع النقابات مثلا، يجد المدير العام ترسانة عامة تسنده وتدعمه، لا سياقا يمكن ان يحوّله الى قربان وكبش فداء يقدّم كبادرة حسن نيّة في أوّل مفاوضات اجتماعية تجريها الحكومة مع المركزية النقابية. وعندما نستعين بالتجارب المقارنة، كلّ التجارب تقريبا، للدول التي نجحت في الاصلاح واعادة البناء، سنجد اكثر من دليل على مصداقية هذا التحليل والتقدير، فدون سياق عام متدفق نحو الاصلاح والتغيير؛ ودون ضمانة عليا صادرة عن اعلى هرم القيادة للمسؤولين عن السياقات الجزئية او الفرعية، لا يمكن ضمان النجاح ابدا، وهكذا نجد مثلا ان إنقاذ القطاع العام في المغرب قد تمّ بارادة ملكية وضمان مباشر وواضح من القصر، وكذا الحال في بلدان كثيرة هبّتْ فيها ريح الحضارة من اعلى مركز للقرار ليطال جميع الزوايا والأركان.
ما اعلمه ان السيدة الحامدي جاءت الى ادارة الشركة المتداعية المنهارة دون سند حكومي واضح أو اتفاق مسبق على دعم مالي سريع لا يقل عن مائة مليون دينار حسب ما اعلمه من مصادر تونيسار نفسها، وعن استعداد للتدخل لدى جميع الأطراف ذات الصلة لتذليل مهمة الشابّة الطموحة شبه المستحيلة، فإنقاذ شركة طيران مثل تونس الجوية يقتضي إنقاذ ديوان الموانئ الجوية وانقاذ المطارات التونسية برمتها وانقاذ شركات فرعية مزودة وقائمة طويلة عريضة من الجهات التي لا تنتمي لوزارة واحدة، أم هل يتوقع أحدهم امتلاك هذه الفتاة لتلك العصا السحرية – التي لي معها قصة ليس المجال هنا لذكرها-، أو تدخّل “العناية الإلهية” لصالحها في ظلّ قناعة عدد كبير من التونسيين بانقطاع صلتها انقطاع صلة الارض بالسماء، ما زال كثير منهم يعاتبني على ايراد عبارتها رغم مضي سنين طويلة عن ذلك.
الظنّ – وآمل مخلصاً أن يكون ظني خاطئا- أنّنا ساعة نوفّر سياقا عاما مساعدا على الاصلاح والتغيير واعادة البناء، نكون قد ضمنا نصف النجاح للسيدة الحامدي، ولجميع المسؤولين الشباب في حال تكليفهم بمهمة مشابهة، ودون توفر هذا السياق سيكون الامر مجرد مغامرة فردية قد تصيب ولكنها غالبا ستخيب، ونكون حينها قد بدّدنا مزيدا من وقت المجموعة الوطنية ومواردها الشحيحة أصلاً، فضلا عمّا قد يصيب صاحبة التجربة وأقرانها خاصة من يأس واحباط وخيبة امل كبيرة، وهو ما لا نريده أو نتمنى حدوثه وتكراره كل مرة.
Comments