وباء الكورونا يحاصر ترامب ويفقده صوابه
تونس- التونسيون- صحف
الرئيس الأمريكي المثير للجدل دونالد ترامب لا يكاد يخرج من مأزق الا ليقع في اخر اشد وأكثر بأسا فقد أصبح محاصرا بوباء الكورونا ( كوفيد-19) أكثر مما هو مسيطر عليه، وفق ما أوردت الصحيفة الفرنسية “لوموند”، بعد أن رأى هذا الفيروس يقوض كل الحجج التي بنى عليها حملته الانتخابية لولاية ثانية في نوفمبر القادم.
في مقال لجيل باريس، ب “لوموند” قال إن ترامب لم يبق له سوى التعبير أثناء خرجاته الإعلامية عن إحباطه وحنينه لماض قريب جدا؛ “كان لدينا أكبر اقتصاد عرفه تاريخ العالم، كان أداؤنا أفضل من الصين ومن كل بلد في العالم، وكان لدينا أعلى سوق للأوراق المالية في التاريخ”.
وهكذا -يقول الكاتب- كان ترامب قبل شهرين يجمع الأخبار الإيجابية؛ فقد برأه الجمهوريون في مجلس الشيوخ من التهم التي وجهها له الديمقراطيون المطالبون بعزله، وكانت جميع المؤشرات الاقتصادية خضراء، وكان يستعد لجني ثمار الاتفاقية الأولى للتجارة مع الصين، ولكن كوفيد-19 قلب كل شيء رأسا على عقب.
وهكذا يجد ترامب معدل البطالة قفز بأكثر من الضعف في شهر واحد، حارما إياه من أقوى عناصر حملته الرئاسية، ليعلن عزمه على تعليق الهجرة إلى الولايات المتحدة، في تناقض واضح مع نيته إعادة فتح اقتصاد البلاد، قائلا “لمكافحة العدو غير المرئي، ولحماية وظائف مواطنينا الأميركيين العظماء، سأوقع مرسوما رئاسيا يعلق الهجرة إلى الولايات المتحدة”.
ومع أن الوباء قتل حتى 20 أفريل الجاري أكثر من 42 ألف شخص في الولايات المتحدة، وبدأ يتباطأ في المناطق الأكثر تأثرا مثل نيويورك، فإن ترامب ما زال يتأرجح بين موقفين: موقف الرجل الموحد الذي يتطلبه المقام، وموقف الرجل المثير للشقاق الذي ظل يمارسه منذ انتقاله إلى المكتب البيضاوي، حسب رأي الكاتب.
عدو غير مرئي
وقال باريس إن ترامب أحجم في فيفري الماضي عن اتخاذ إجراءات تناسب التهديد، وعن تنفيذ التوصيات التقييدية التي تؤدي إلى إغلاق الاقتصاد الأميركي، ولكنه رضخ في النهاية، وتقبل الاعتماد على مهارات الفريق الذي شكله مع نائبه مايك بنس، لتنسيق استجابة الحكومة الفدرالية، كما يقول الكاتب.
واستطاع هذا الفريق -الذي يهيمن عليه مدير المعهد الوطني للأمراض المعدية أنتوني فاوتشي والطبيبة والدبلوماسية ديبورا بيركس- أن يثبت، حسب الكاتب، قدرته على التعامل مع رئيس غير متسق، كما وصفه المستشارون الذين أحاطوا به منذ وصوله إلى البيت الأبيض.
وقال الكاتب إن ترامب يتبنى خلال جلسات الإحاطة اليومية نغمة تناسب الظروف، قائلا مثلا “إن التضحيات التي قدمها مواطنونا في هذه الفترة من الأزمة ستظل في ذاكرتنا، وستتم دراستها وتكريمها وتقديرها من قبل الأجيال القادمة، نحن حقا نعمل معا، الديمقراطيون والجمهوريون والمحافظون والليبراليون، هذه ليست أحزابا سياسية؛ هذه بلادنا”.
ومع ذلك -يقول باريس- فإن الرئيس التوافقي يخرج لإفساح المجال أمام ترامب الغاضب بشكل واضح من كونه يخضع لتأثير “عدو غير مرئي”، بعد أن كان هو الذي يحدد الإيقاع الذي يناسبه، ليندفع في انتقاد الصحافة، متهما إياها بأنها لا تعترف أبدا بمزاياه في إدارة الوباء.
البحث عن كبش فداء
وأ شار الكاتب إلى أن ترامب الذي لا يريد الاعتراف بأي خطأ في تقييمه الأمور، ولا حتى عدم الاستعداد الكافي، لا يفتأ يشيد بقراره يوم 31 جانفي الماضي بحظر الأجانب القادمين من الصين، ثم بقراره في 11 مارس الذي يستهدف الدول الأوروبية، وبالروح نفسها أعلن توقيع مرسوم تعليق الهجرة.
ومع أن ترامب بدأ عامه الرابع في المنصب، فهو لا يتورع –حسب الكاتب- عن إلقاء مسؤولية نقص الإمدادات الطبية الملاحظ على الإدارة السابقة.
وقال باريس إن هذا البحث عن كبش فداء قاد ترامب إلى تنفس غضبه بشكل منتظم على بعض الحكام، مثل الديمقراطي أندرو كومو، حاكم ولاية نيويورك، وعلى بعض المسؤولين في العالم، وعلى منظمة الصحة العالمية التي يتهمها بمحاباة الصين، وأخيرا على الصين نفسها التي يعتبرها مصدر الفيروس.
ونبه الكاتب إلى أن تناقض ترامب يتجلى في دعمه الحركات الاحتجاجية التي تمثل أقلية من اليمين تطالب في بعض الولايات برفع تدابير الحجر الصحي على الفور، رغم أنه أعلن خطة تدريجية لإنهاء الحجر وتركها لتقدير الحكام، على النحو المنصوص عليه في الدستور.
وقال الحاكم الديمقراطي لولاية واشنطن جاي إنسلي الذي ينتقده ترامب بشكل منتظم، رغم إشادة الخبراء بإدارته في ظل الوباء؛ إن “وجود رئيس يشجع على خرق القانون أمر لم أره من قبل في أميركا، لعله الفصام، هذا أمر خطير”.
واستغرب الكاتب أن ينشر ترامب على حسابه في تويتر رسالة تدعو لإقالة أنتوني فاوتشي، قبل أن يؤكد في اليوم التالي أنه لا ينوي فصله، علما أن كبير اختصاصي المناعة يتمتع بمعدل ثقة بشأن إدارة الأزمة الصحية أعلى بكثير من الرئيس (60% مقابل 36%)، وفقا لاستطلاع أجرته إن بي سي وول ستريت ونشر يوم 19 أفريل.
ولكن الأقسى بالنسبة لترامب –حسب الكاتب- هو أن خصمه في الانتخابات الرئاسية، الديمقراطي جو بايدن -الذي لم يسمع له صوت منذ بدأت أزمة كورونا- يعد أكثر ملاءمة منه لإدارة الأزمات بشكل عام بنسبة 47% مقابل 38% لترامب، وبالنسبة لإدارة أزمة كورونا تحديدا فحصل بايدن على نسبة 45% مقابل 36% لترامب، وفقا للاستطلاع نفسه.
وختم باريس بأزمة تهاوي سعر النفط بسبب حرب أسعار بين السعودية وروسيا، حيث حاول ترامب التوسط فيها للحصول على خفض في الإنتاج، من أجل رفع الأسعار إلى مستوى مستدام لمنتجي النفط الصخري الأميركي، ولكن هذه المبادرة لم تكلل بالنجاح؛ حيث انخفض سعر النفط الأميركي بشكل حاد في 19 أفريل الجاري.
المصدر : لوموند
Comments