الجديد

وسط “برود سياسي” في العلاقات .. ماكرون يستقبل اليوم قيس سعيد

منذر بالضيافي

تحت عنوان: “البرود بين باريس وتونس”، استبقت صحيفة “لاكروا” الفرنسية في عددها الصادر اليوم الاثنين 22 جوان 2020 الزيارة التي يشرع اليوم الرئيس التونسي قيس سعيد في القيام بها  لفرنسا، وهي الأولى له خارج العالم العربي منذ وصوله للسلطة في أكتوبر الماضي، وهي زيارة “عمل وصداقة” مثلما أكدت الرئاسة التونسية في بيان لها.

استهل مقال الصحيفة الفرنسية ، بالاشارة الى أن الرئيس الفرنسي ايمانوال ماكرون سيستقبل اليوم الاثنين الرئيس التونسي قيس سعيد. مشيرة الى أن الزيارة يخيم عليها كل من الملف الليبي، وما قالت أنه “برود سياسي” بين البلدين، وهما محوران حسب “لاكروا” سيهيمنان على محادثات زيارة الرئيس التونسي لباريس.

في الملف الليبي هناك تباين كبير في وجهات النظر بين البلدين، حيث يتمسك الجانب التونسي “بموقف معلوم” يتمثل في التمسك بالشرعية الدولية و “الحياد الايجابي” عن الطرفين المتصارعين في حين تصطف فرنسا وبوضوح وراء الماريشال حفتر والمحور الاماراتي والمصري وكذلك الروسي الداعم له، في مواجهة حكومة السراج المدعومة من قبل تركيا، التي “أربك” وجودها حسابات باريس لا في ليبيا فقط بل حتى داخل الحلف الأطلسي.

وفي هذا السياق، من الطبيعي التساؤل عن قدرة الرئيس الفرنسي، على احداث “اختراق” في الموقف التونسي تجاه الأزمة الليبية، وهو أمر يكاد يكون مستبعدا، بالاستناد الى كون تونس ومنذ مرحلة ما قبل وصول قيس لقرطاج ( خلال فترة حكم الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي) ، كانت  ( وبرأي ما تزال ) حريصة، على أن تكون أقرب الى من يحكم ويسيطر على الغرب الليبي.

وهو موقف أملته الجغرافيا، و ما يتبعها من فرض لواقع لا يمكن تجاوزه، لاعتبارت متداخلة ومعقدة، يتداخل فيها الأمني بالاقتصادي وحتى بالسوسيو ثقافي في علاقة بالامتداد السوسيولوجي بين الجنوب التونسي والغرب الليبي، وهي عوامل لا يمكن للموقف السياسي الرسمي، أن يقفز عليها أيا كان الذي يحكم في تونس.

فالرئيس قيس سعيد، وبالنظر الى ما سبق وأعلن عنه أيضا في أكثر من مناسبة، لا يتوقع منه أن يكون في جبهة معادية للحلف الذي يحكم في الغرب الليبي، اذ أن علاقته بالجانب التركي الذي يقود هذا الحلف لا يمكن لا وصفها “لا بالتحالف” و “لا بالعداء”، وهو الذي  استقبل الرئيس التركي بقصر قرطاج ايام قليلة بعد تصعيده للرئاسة، وبالتالي فان قيس سعيد الذي لا يريد أن يكون محسوبا على تركيا، فانه في المقابل أيضا لا يمكن أن يكون عدوا لتركيا، مثلما يذهب الى ذلك العديد من المراقبين.

على خلاف شريكه في الحكم، راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان، الذي أعلن على الملأ دعمه للمحور التركي في ليبيا، بل أن كان أول من هنأ رئيس مجلس الرئاسة الليبي فائز السراج، بعد سقوط قاعدة “الوطية الحربية” ( 27 كلم فقط عن الحدود التونسية) بيد قوات حكومة الوفاق بيعد أن كانت تحت سيطرة قوات الماريشال حفتر.

وفي هذا السياق، نشير الى أن حركة النهضة (التنظيم المرتبك بالحركة الاخوانية) ، تعتبر ما يجري في ليبيا مسألة “حياة أو موت” بالنسبة لمستقبل وجودها السياسي، ولا نبالغ بكون سقوط حكومة الوفاق في ليبيا،  وهزيمة تركيا في طرابلس، ستكون لها نفس تداعيات سقوط الرئيس الاخواني محمد مرسي في مصر، في صائفة 2013 والتي أجبرت حركة النهضة على قبول الخروج من الحكم، والقبول بتسوية سياسية، لا يتوقع أن تجدها اليوم في ظل تغير المعطيات والتوازنات وكذلك الارتباطات السياسية في تونس.

ولعل هذا ما يفسر حرص راشد الغنوشي، على التمسك بأن يكون له “دور دبلوماسي” ودولي، برغم تصاعد الرفض لمثل هذ “الدور” داخليا، حيث  يذهب أغلبية المتابعين الى أنه يشوش على الدبلوماسية الرسمية،  التي يقودها رئيس الجمهورية ولكنه في الواقع بصدد الاستفادة من “الفراغ الدبلوماسي” الذي برز للسطح مع وصول قيس سعيد لرئاسة تونس.

وفي مستوي العلاقات بين البلدين، ليس الحال أفضل من التباين الواضح والعلني في الموقف من الأزمة الليبية كما بينا، اذ تشير الأطراف الفرنسية والقريبة منها هنا في تونس، الى وجود “برود سياسي في العلاقة بين البلدين” ( جريدة “لاكروا” عدد اليوم)، منذ وصول الرئيس الحالي قيس سعيد، مستدلين على ذلك بأن تونس بلا سفير يمثلها في باريس منذ أكثر من 6 اشهر، وهو وضع يحصل لأول مرة في تاريخ العلاقات بين باريس وتونس، وأعتبر من قبل الدوائر الفرنسية “غير مقبول”.

من جهة أخرى، يرجع بعض المتابعين أو المختصين في العلوم السياسية، هذا “البرود” الى شخصية وثقافة الرئيس سعيد، في علاقة بفرنسا وارثها الثقافي والسياسي، على خلاف كل الرؤساء التونسيين الذين سبقوه وخاصة بورقيبة والسبسي، وهنا يرون أن “الجمهور الذي انتخب الرئيس قيس سعيد ليس ذلك الجمهور الذي له توجهات فرنكفونية ومعروف عنه أيضا أنه اقل تحمس ليكون أكثر قربا لباريس”.

وفي هذا السياق، يمكن أن نفهم عرض لائحة مؤخرا في البرلمان التونسي، تطالب فرنسا بالاعتذار لتونس عن الحقبة الاستعمارية، وهي برأي فرنسا والمحسوبين عليها مثلت  “سابقة” و أيضا “مفاجأة” غير متوقعة من بلد مثل تونس، وبرغم أنه تم اسقاطها في البرلمان،  الا أن “الرسالة” قد وصلت باريس، ومفادها أن حكام تونس الجدد ليسوا على “هوى باريس” مثلما كان في السابق، هذا ما جعل الاعلام الفرنسي يستبق زيارة الرئيس قيس سعيد بالإشارة لوجود برود سياسي بين البلدين.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP