وسط تواصل الصراع حول ارثه و منجزه: التونسيون يحيون الذكرى 23 لرحيل الزعيم بورقيبة
منذر بالضيافي
أحيا التونسيون، اليوم الخميس، 6 أفريل 2023، الذكرى 23 لرحيل الزعيم، الحبيب بورقيبة، مؤسس الدولة الوطنية الحديثة، وسط تباينات حد الصراع حول شخصية الرجل ومشروعه و منجزه و ارثه السياسي.
وأكدت معظم النقاشات الجارية سواء في الإعلام التقليدي أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن الحبيب بورقيبة ارتبط بوجدان وعقل التونسيين، من مريديه وخصومه على حد السواء.
كما بينت هذه النقاشات أيضا أنه ما يزال يحظى بمكانة لدى السواد الأعظم من التونسيين. فكل الأجيال تربطها ببورقيبة علاقة خاصة بل شخصية. كيف لا وهو الذي راهن على مجانية وديمقراطية التعليم، إذ يعود له الفضل في بناء المدارس في كافة أنحاء تونس وبدون استثناء.
وقد ساهمت مؤسسة المدرسة – في عهده – في تفعيل ودمقرطة الحراك الاجتماعي، الأمر الذي مكن أبناء الطبقات الفقيرة بل المعدومة من التدرج في وظائف دولة الاستقلال، ليجعل من “المدرسة” مؤسسة للارتقاء الاجتماعي.
كما ركزت تدوينات “الفيسبوكيين” على الإشارة إلى أهمية الخيار الاجتماعي لبورقيبة، والذي من أبرز عناوينها الحق في الصحة ، وتحرير المرأة وتحويلها من قوة معطلة إلى قوة فاعلة ومؤثرة وشريك في التنمية الاجتماعية والسياسية.
وقد ساهمت هذه الخيارات والسياسات في التأسيس لأنموذج مجتمعي وتحديثي متفرد في العالم العربي والإسلامي، بشهادة خصوم الرجل قبل أنصاره.
كما تناول بعض الناشطين البعد السياسي لمشروع بورقيبة، مشيرين في هذا السياق الى أن رؤية الحبيب بورقيبة الريادية في بناء مجتمع حديث، والإعلاء من شأن العلم والمعرفة، والمراهنة على الرأسمال البشري لتحقيق التقدم والنمو.
كل هذه “الانجازات” لم تصاحبها إرادة ولا تصورات مماثلة في الحقل السياسي، من أجل الوصول إلى نظام ديمقراطي يقوم على الفصل بين السلطات، والتعددية الفكرية والسياسية، بل أنه احتكر الحقل السياسي والفضاء العام خاصة عندما أعلن الرئاسة مدى الحياة ليتحول بذلك الى “اباي جديد” لتونس الجمهورية.
وذكر ناشطون أن بورقيبة كرس سنوات حكمه لنموذج نظام سياسي يختزل الدولة في شخصه، وتجسدت من خلال هيمنة الحزب الواحد، والرأي الواحد وإقصاء كل المخالفين، وبالتالي التأسيس للاستبداد السياسي باسم الحداثة.
وهم هنا يؤكدون على أن بورقيبة فشل في بناء الدولة الديمقراطية التي تكفل التعددية الثقافية والسياسية ، و التي لا يمكن أن تكون إلا دولة مدنية قائمة على مبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان ، وتستمد مشروعيتها من إرادة الشعب، الذي يتولى في إطار هذه المبادئ انتخاب مؤسسات الحكم بشكل دوري ويتم محاسبتها عبر مؤسسات منتخبة.
وبرغم ما توفر له من خصال سياسية و رؤية اصلاحية، فان “دولة بورقيبة” لم تشذ عن الفشل الذريع للدولة الوطنية الحديثة في عالمنا العربي، فشلها في بناء دول قوية وعادلة وتنموية، وهنا نتغاضى عن الديموقراطية فهي دائما “مطلب مزعج” .
وذلك بقدر نجاح هذه “الدولة” في شيوع الفساد ونهب المال العام ، وفي تجذير الاستبداد و”الاستئساد” على سكان البلاد، و تأبيد اوضاعهم كرعايا لا كمواطنين.
بورقيبة فشل في بناء الدولة الديمقراطية التي تكفل التعددية الثقافية والسياسية ، و التي لا يمكن أن تكون إلا دولة مدنية قائمة على مبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان ، وتستمد مشروعيتها من إرادة الشعب، الذي يتولى في إطار هذه المبادئ انتخاب مؤسسات الحكم بشكل دوري ويتم محاسبتها عبر مؤسسات منتخبة.
مع بورقيبة، كانت البدايات الاولى، حاملة لمشروع وطني، انجز في وقت قياسي عدد من المكاسب، التي حررت المجتمع، ووضعت اسس دولة حديثة.
لكن – للأسف- سرعان ما توقف المشروع ليتحول الى ” حكم مدى الحياة” ( باى جديد )، وانتصر هوس الزعامة على فكرة المشروع، فكانت كل خطط التنمية فاشلة، وخضعت لمنطق التجريب ولا شيء غير التجريب.
الحاصل، بقت “الدولة الوطنية ” العربية وفية لإرثها المتمثل: في ” مرض الزعاماتية”، كما استمر غياب المشروع الوطني الجامع.
ولد الحبيب بورقيبة في 3 أوت 1903 بمدينة المنستير و توفية في 6 أفريل 2000، ودرس القانون في باريس ليعود سنة 1927 إلى تونس ويمارس مهنة المحاماة.
وبورقيبة هو أحد أبرز قيادات الحركة التحريريّة ضد الإستعمار الفرنسي وباعث النظام الجمهوري علي أنقاض المملكة الحسينيّة التي إستمرّت 3 قرون، و باني دولة الإستقلال الحديثة التي قامت علي إجباريّة ومجانيّة وتعميم التعليم المختلط وعلى تحرير المرأة واصدار مجلّة الأحوال الشخصيّة.
انضم إلى الحزب الدستوري سنة 1933 ثم استقال منه في نفس السنة ليؤسس الحزب الدستوري الجديد رفقة عدد من الشخصيات من بينهم محمود الماطري والطاهر صفر والبحري قيقة.
اعتُقِل في 3 ديسمبر 1934 بسبب نشاطه النضالي ونفيه في الجنوب التونسي قبل أن يتم إطلاق سراحه في ماي 1936.
وفي 20 مارس 1956 استقلت تونس عن المستعمر الفرنسي وتم تأسيس أول حكومة تونسية ليتم سنة 1957 إلغاء النظام الملكي وتعيين الحبيب بورقيبة أول رئيس للجمهورية.
Comments