الجديد

يوسف الشاهد يعود بعقد جديد لدولة جديدة

خديجة زروق

ظهر يوسف الشاهد رئيس الحكومة الأسبق اليوم في لقاء تلفزي على قناة التاسعة في مظهر الرجل الذي حكم تونس طيلة ثلاث سنوات، مُتابعا دقيقا لكل التفاصيل ومُلمّا بكل الملفات المطروحة، إذ تناول بلغة بسيطة ودقيقة كل القضايا التي تشغل الرأي العام، بل والقضايا الخلافية التي تشقّ الساحة السياسية في البلاد. اطلاع الشاهد على دقائق الأمور ترافق مع وضوح الرؤيا في الحلول التي يتوجب اتخاذها لتناول “المطبات” التي تُعاني منها الحكومة في علاقة بالمالية العمومية و “إفلاس المؤسسات العمومية” وتعبئة موارد الدولة والإصلاحات الضرورية في هذه المرحلة الحسّاسة التي تمر البلاد.

عبّر يوسف الشاهد على ثقة كبيرة، ليس بإمكانية تجاوز هذه المرحلة الصعبة فقط، بل على قدرة الفاعلين السياسيين والاجتماعيين على إيجاد “التوفقات الضرورية” وصياغة “تعاقدات خلاقة” من اجل الدولة الديمقراطية التعاقدية، كما كرّر ثقته بكفاءة الإدارة التونسية ورجالاتها على انجاز المطلوب منها وعلى ضرورة “تحرير إرادتها”.

ففي معرض حديثة على التعثر الحاصل في إيجاد التمويلات الضرورية لسدّ العجز المُسجّل في قانون المالية التكميلي، بدا الشاهد صريحا، فقد عبّر على استغرابه من تأخّر تقديم القانون، إذ كان يجب تقديمه منذ بداية السنة، لانه قانون استثنائي بترافقه مع جائحة الكورونا، وعاب على الحكومة السابقة ” ايقافها الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي في خضم الجائحة” وهو ما يُشكّل اليوم عائقا امام الحكومة الحالية فهي غير قادرة على الخروج للاسواق العالمية للاقتراض في ظل غياب غطاء كان الصندوق يُفّرُه للدولة التونسية.

و دعا الشاهد  في ظل هذه الوضعية التي تتميّز بالصعوبة وتشهد تراجعا في الموارد الجبائية ونقص مداخيل القطاعات التقليدية الى حوار وطني يجمع الحكومة و البنك المركزي و اتحاد الشغل و اتحاد الصناعة و التجارة ومنظمة كوناكت و الاطراف الفاعلة لارساء خطة عمل و عقد يمتد على ثلاث سنوات تحمل مشروعا واضحا للمالية العمومية، وللاولويات الوطنية في باب النفقات والاستثمار، يُحدد فيها دور الدولة و مساهمة البنك المركزي و الاصلاحات الضرورية لتجاوز الخلل في المالية العمومية و كذلك تحديد مصير المؤسسات العمومية، فلم يعد مقبولا بحسب الشاهد، مواصلة ضخ الاموال لتغطية عجز مؤسسات في قطاعات غير تنافسية وليس لها دور اجتماعي ولا وظيفة استراتيجية دون “منوال واضح للاصلاح” ولاعادة الحوكمة.

لذلك اعتبر ان  الحكومة الحالية مُخطئة اذا واصلت في هذه السياسة، ويُمكنها الاستغناء في قانون المالية المستقبلي على مبالغ ذائلة مخصصة لاصلاح المؤسسات العمومية، مثل  تخصيص 3000 مليار لدعم المؤسسات العمومية بما فيه STIR  إذ بدا الامر مُتعارضا مع طلب الدعم البنك المركزي، فمن الاولى توجيه الدعم الى المستشفيات العمومية في ظل الجائحة و وتوفير دعم للصيدلية المركزية استعدادا لاقتناء تلاقيح الكوفيد.

ولئن اكد الشاهد على كون استقلالية البنك المركزي مكسب لا يُمكن التراجع عليه، لان ذلك يدخل في باب “العبث السياسي” . فالاستقلاية هي ضمانة حقيقية للسياسة النقدية للبلاد وتوازنات ماليتها العمومية، حتى لا نسمح للحكومات بطبع الاوراق المالية كيفما تريد مما يتسبب في التضخم و ارتفاع الاسعار، ولكن الشاهد أكد ايضا على ضرورة مساهمة البنك المركزي على المدى القصير المالية العمومية و لو بطريقة محدودة، مع ضرورة اعداد خطة وطنية شاملة لمواجهة التضخم و ارتفاع الاسعار تُساهم فيها كل الفعاليات السياسية والاجتماعية.

هذه التشاركية التي الح عليها الشاهد، تنطلق من ضرورة تجاوز المُناكفات السياسية والاستقطاب المغشوش “اللي ما يحاربش البطالة والفقر” نحو طرح قضايا حقيقية لعل في صدارتها مناقشة علنية وصريحة تتعلق بدور الدولة في المجتمع. إذ من  الضروري المحافظة على دورها في  القطاعات الاستراتبحية ( صحة..تعليم..نقل..). و بالمقابل ليس هنالك ضرورة لتكون الدولة مالكة لثلاثة بنوك عمومية، ولمؤسسات عمومية في القطاعات التنافسية، فيُمكن التفكير في التفويت فيها او فتح رأسمالها امام شراكة مع راسمال الخاص.

برهن الشاهد  على حالة نُضج سياسي كبيرة، وعلى استفادة هائلة من تجربة الحُكم، ويبدو ان “هزيمته” الانتخابية جعلته ينظر الى المسائل الوطنية الخلافية بعيون رجل الدولة الراغب في الاصلاح وفي الافادة، وليس بعيون السياسي الباحث على “البوز” فقد اكد على تواصله الدائم مع رئيس الحكومة وعلى مساعيه لمساعدة تونس بالحوار مع الجهات المانحة والقوى الخارجية، كما اكد على ضرورة تنقية المناخ السياسي و”ايقاف العبث بالديمقراطية”، لذلك دعا للمصالحة الشاملة، وتنقيح القانون الانتخابي حماية للتجربة الديمقراطية حتى يتسنى الفصل بين الاعلامي والحزبي والجمعياتي وحتى ترتقي المناقشات الحزبية الى “جدل حول قضايا اجتماعية حقيقية تهم المواطنين”. ظهور موفّق يُبيّن ان يوسف الشاهد مازال رقما مهما في الساحة السياسية ولاعبا رئيسيا في مستقبل تونس.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP