حكومة الشاهد 3 .. فرض الأمر الواقع
كتب: منذر بالضيافي
التحوير الوزاري، الذي أدخله رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، الاثنين الفارط والذي سيعرض غدا الاثنين، على البرلمان في جلسة عامة لنيل الثقة، هو الأكثر اثارة للجدل منذ وصول الرئيس السبسي للحكم سنة 2014، وخلال كامل فترة حكم ما أصطلح علي تسميته ب “توافق الشيخين”، وذلك بالنظر للمناخ العام في البلاد، الذي يعيش على وقع أزمة سياسية امتدت طيلة نصف سنة.
لكن، يبقى السؤال المهم في ما تبقى من العهدة الانتخابية (سنة كاملة) هو التالي: هل سينجح “الائتلاف الحكومي”، الذي يتمتع بأغلبية برلمانية، فرض الأمر الواقع سياسيا، ومواجهة الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية العديدة والمعقدة، وأخيرا تهيئة البلاد للذهاب للاستحقاقات الانتخابية، المبرمجة خلال السنة القادمة ؟
في البداية، لن يواجه التعديل الوزاري غدا في مجلس نواب الشعب أي مشاكل تذكر، من ذلك أنّ 3 كتل برلمانية أعلنت دعمها له، وهي كتلة حركة “النهضة” (68) وكتلة “الحرة لحركة مشروع تونس” (14) وكتلة “الإئتلاف الوطني” (39)، الداعمة للشاهد والمحسوبة عليه.
بالمناسبة، نشير الى أن التصويت على الوزراء وكتاب الدولة الجدد ومنحهم الثقة، وبالنظر الى عددهم الكبير، فان منحهم الثقة في جلسة الغد، يرتقي الى منح ثقة للحكومة برمتها وخصوصا لرئيسها يوسف الشاهد، وهو مطلب مركزي وأساسي من وراء هذا التحوير، اذ يمثل أفضل رد على مطلب رئيس الجمهورية، الذي دعا في أكثر من مرة رئيس حكومته، الى ضرورة الذهاب للبرلمان. فهل أن منح الثقة للشاهد وحكومته سيضع حد لهذه الأزمة السياسية والممتدة والمعقدة، مثلما “خطط” لذلك يوسف الشاهد وأنصاره، و بالتالى فرض الأمر الواقع؟.
أول “الشبهات” التي توجه حكومة الشاهد الثالثة هي كونها “حكومة النهضة”، وهي فعلا وواقعا “حكومة النهضة” – برغم التمثيلية الواسعة لنداء تونس والمستقلين وبقية الأحزاب الأخرى -، ومن يقول هذا الكلام (بأنها حكومة النهضة) ليس مجانبا تماما للصواب، فلولا النهضة لما رأت هذه الحكومة النور، ولما بقى اصلا الشاهد في القصبة، فدعم النهضة هو الذي يفسر وفي المقام الأول استمرار الشاهد وحكومته، كما أن كتلة النهضة هي من ستمنح الشاهد وحكومته الثقة في البرلمان.
ردود الأفعال الأولية، خاصة من قصر قرطاج، ومن المجتمع المدني وأيضا من المعارضة ومن بعض النخب، جاءت مخالفة لحسابات الشاهد، و “الائتلاف السياسي”، الداعم له بقيادة حركة “النهضة” الاسلامية. وتجاوزت الأزمة السقف السياسي، فأصبحت دستورية و أخلاقية، و رمت بظلالها على المشهد السياسي والمجتمعي.
زاد التحوير الوزاري، في الرفع من منسوب التوتر، في العلاقة بين الفاعلين الرئيسيين في المشهد، خاصة بين رأسي السلطة التنفيذية، بين الرئيس قايد السبسي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.
بعيدا عن النجاح المؤكد في تجاوز عقبة البرلمان، وفرض الأمر الواقع في المشهد السياسي، فان حكومة الشاهد الثالثة، ستواجه ومنذ اليوم الأول تحديات كبيرة، سواء تلك المتصلة بعدم تجانس “الائتلاف” المكون لها وتباين أجنداته في سنة انتخابية، أو تحديات في علاقة بتفاقم الأزمة الاجتماعية، وتردي الأوضاع الاقتصادية خاصة المالية العمومية، التي تعاني من سبح الافلاس.
حالة الارتباك التي صاحبت التشكيل الحكومي، والتي برزت من خلال تعدد الأخطاء الشكلية والتمشي في علاقة بمؤسسة رئاسة الجمهورية، ستبقى تلاحق الحكومة الجديدة سياسيا واعلاميا.
كما برز الارتباك أيضا، في كفاءة الأسماء المقترحة أو التي تم تثبيتها، برغم فشلها في ادارة الملفات التي عهدت اليها، ليبرز أن الأولوية السياسية والمحاصصة الحزبية، هي التي طغت في اختيار الفريق المكون لحكومة الشاهد الثالثة.
فالحكومة الجديدة، التي تتكون من أكثر من أربعين بين وزير وكاتب دولة، وبالنظر الى سير أصحابها وتجربتهم وخبرتهم في الادارة والتسيير، تشير الى أنهم لن يكونوا قادرين على ايقاف النزيف الحالي، فما بالك تقديم تصورات للإنقاذ والاصلاح، ما سيجعلها حكومة في مواجهة حراك احتجاجي متوقع لا تمتلك القدرة على مجابهته.
على خلاف ما يروج له أنصار الشاهد ومستشاريه، فان التحوير الوزاري، وان كان سيفرض أمرا واقعا، الا أنه لن يحل الأزمة السياسية، كما أنه لن يستطيع القيام بإصلاحات في سنة انتخابية بامتياز.
بل أنه – التحوير – في تقدير جل المراقبين سيكون بمثابة هروب للأمام، وهذا ما أكدته التداعيات الأولية بمجرد الاعلان عنه، فالأزمة تحولت الى أزمة مركبة ومعقدة، دستورية وأخلاقية وممكن تتطور الى أزمة مربكة للاستقرار العام في المجتمع وفي مؤسسات وأجهزة الدولة، بعد تحول العلاقة مع رئيس الدولة الى مواجهة مفتوحة.
Comments