18 جانفي 1952 : ثورة منسية ….و ذاكرة معطوبة !
نبيل البدوي
مرّت أمس الذكرى السابعة والستين لاندلاع الثورة المسلٌحة ضد الاستعمار الفرنسي المعروفة بعيد الثورة قبل نوفمبر 1987 في صمت كامل سواء من الأحزاب السياسية خاصة التي تدعي صلتها بالحركة الدستورية وبناء الدولة أو من الاعلام الرسمي والخاص في الوقت الذي تمثٌل فيه هذه الذكرى محطة أساسية في التحرٌر من الاستعمار ليس في تونس فقط بل في المنطقة العربية أيضا .
فقد سبقت هذه الثورة ، ثورة التحرير الجزائرية التي اندلعت بعد عامين ومنحتها الثورة التونسية ضد الاستعمار الزخم التحرري كما سبقت ثورة يوليو التي تلتها بستة أشهر ورفعت نفس شعارات التحرٌر من التبعية للاستعمار والعدالة بين أبناء الشعب المضطهد .
كما أن ثورة 18 جانفي 1952 كانت السبب المباشر في اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشٌاد الذي قاد الحركة الوطنية بعد آن تم اعتقال الزعيم الحبيب بورقيبة وإيداعه السٌجن واستقرار الزعيم صالح بن يوسف في مصر .
لقد كانت ثورة 18 جانفي 1952 مرحلة جديدة عرفت فيها الحركة الوطنية نقلة نوعية بعد عودة الزعيم الحبيب بورقيبة من المشرق العربي ودعوته للكفاح المسلح في تطوٌر نوعي لم تعرفه الحركة الوطنية منذ اتفاقية الحماية في ماي 1881 .
فقد كانت العمليات المسلٌحة محدودة وليست مؤطرة من الحزب الذي لم يتبنى الكفاح المسلح إلا بداية من جانفي 1952 إذ أنطلق قادة الحركة الوطنية بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة في سلسلة من الاجتماعات التعبوية من المنستير في 9 جانفي والحلفاوين في 11 جانفي وبنزرت في 13 جانفي وعلى أثرها تم اعتقال وسجن الحبيب بورقيبة.
كما تتالت العمليات المسلٌحة ضد التواجد الفرنسي العسكري في ماطر وتازركة وطبلبة وصفاقس وقابس في انتفاضة شعبية مطالبة برحيل الاستعمار وانطلاقا من جانفي 1952 أظطرت فرنسا للتفاوض مع الحركة الوطنية والحزب الحر الدستوري وقيادته وصولا الى الاستقلال الداخلي ثم الاستقلال التام في 20 مارس 1956 .
فالاستقلال لم يأتِ صدفة بل كان نتيجة معركة متواصلة على المستوى السياسي والاجتماعي أولا تمثلت في حركة الشباب التونسي وتأسيس الحزب الحر الدستوري وتأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل والصحف والجمعيات الوطنية وصولا الى مرحلة الكفاح المسلح بداية من 18 جانفي والتي توجٌت بالاستفلال.
لكن هذه الذكرى على أهميتها في تاريخ تونس المعاصر تم تجاهلها وكأنها ليست وراء استقلال البلاد وكأن الذين سقطوا فيها ليسوا شهداء والذين سجنوا وعذبوا ليسوا تونسيين! إن تجاهل هذه الذكرى الوطنية التي لا تقل أهمية عن ذكرى الاستقلال والشهداء والجمهورية ومجلة الأحوال الشخصية يكشف بوضوح عن ذاكرة تونسية مشوهة ومعطوبة تجاه إرثنا الوطني.
وقد بدأ هذا التجاهل لذكرى الثورة المسلٌحة على الاستعمار الفرنسي منذ صعود بن علي الى الحكم إذ ألغى الاحتفال بها وعوّضها بذكرى 7 نوفمبر كعيد وطني كما ألغى ذكرى عودة الزعيم الحبيب بورقيبة من المنفى في 1 جوان 1955 .
ان الشعوب التي لا تحترم تاريخها وتضحيات شهدائها وتتعامل معهم بانتقائية لا يمكن آن تنجح في بناء المستقبل ، فهذا تاريخ تونس بكل أجيالها وقواها الحيٌة وليس تاريخ بورقيبة ولا تاريخ الحزب الدستوري .
Comments