ماذا تريد الجزائر من تونس وليبيا ؟
منذر بالضيافي
أيام قلية بعد تصريحات، “لافتة” للرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون من روما، استضافت تونس لقاء دبلوماسي مغاربي ثلاثي ( الأسبوع المنقضي)، بحضور وزراء الخارجية لدول تونس والجزائر وليبيا، وهي تصريحات أثارت الكثير من الجدل و حتى الاستياء هنا في تونس ( على الأقل في المستويين الشعبي و لدى النخب)، مع “صمت رسمي” نستبعد أن يكون عنوان “رضى”، لكن قد تكون أملته “اكراهات” الأوضاع، التي ليست مناسبة لفتح “جبهة” في الخارج وخاصة مع الأجوار، في ذات التصريحات تحدث الرئيس الجزائري أيضا عنن ليبيا، في اشارة واضحة الى تلازم المسارين التونسي والليبي، في “الهندسة” الجيو سياسية للمنطقة من المنظور الجزائري. فماذا تريد الجزائر من جارتيها، تونس وليبيا ؟
مع الحرب الروسية الاوكرانية ، عادت الجزائر الى المسرح الدولي بقوة، و ترجمت هذه “الاستفاقة” من خلال “عودة الروح” لدبلوماسيتها، التي نشطت في كل الاتجاهات، مركزة على ” ثوابت” عرفت بها تاريخيا، و مستفيدة من ارتفاع اسعار الطاقة، ومن عودة الاستقرار السياسي الداخلي، بعد سنوات من عدم اليقين.
وكان مجال تحركها الاول هو محيطها الجغرافي سياسي، تحديدا المنطقة المغاربية ومنطقة الساحل الافريقي، وبرز هذا الدور بجدية اكثر تجاه الازمة الليبية، وبدرجة أقل الوضع في تونس في ظل تواصل ارتفاع منسوب التوتر السياسي، و هو ما اسماه الرئيس تبون ب ” المأزق ” التونسي، في اشارة الى حالة التوتر السياسي التي تعيشها تونس، والتي ترمي بظلالها على المنطقة، وخاصة العلاقة مع الجزائر.
في هذا السياق نشطت الدبلوماسية الجزائرية، بقيادة المخضرم رمضان لعمامرة (وزير الخارجية والتعاون الدولي)، على الملفين التونسي والليبي، وهما ملف واحد في التصور الجزائري ، وعلى علاقة عضوية بالأمن القومي الجزائري، وفق ما يروج الخطاب الرسمي الجزائري، وما يتناقله عنه الاعلام الجزائري.
ملف رسم العلاقة مع تونس وليبيا، تنظر له القيادة الجزائرية في علاقة بملف اخر لا يقل اهمية وخطورة بالنسبة للسلطات في الجزائر، وهو ” التطبيع” الذي تعمل حكومة تبون على ايقافه في المهد، وان لا يتجاوز ” بنغازي” شرق ليبيا.
من هنا نفهم الدعم الجزائري الكبير لحكومة الدبيبة، واعتبارها “جدار الصد” الأخير امام تمدد ” التطبيع” والقوى الاقليمية الداعمة له، والتي تعتبر الجزائر وصولها الى حدودها ” خط احمر”.
مما تقدم يتبين ان دولة الجزائر، التي تخطط للاستفادة القصوى من اوضاع جارتيها ( تونس وليبيا)، الموسومة بعدم الاستقرار والتوتر، لفرض هندستها الجيوسياسية للمنطقة. فماذا تريد من جيرانها الاثنين؟ علاقة تبعية وهيمنة ام شراكة وتعاون ؟
في تعاطيها مع تونس، تستعمل الجزائر ورقتي “الغاز” و “الحدود البرية”، وهما ورقتي “ضغط” مهمة في التفاوض مع الجاني التونسي، وهنا نلاحظ أن الجزائر ليست في وارد التسريع بحل هاذين الملفين.
وهنا تجدر الاشارة الى أن مسألة الحدود التي يتواصل غلقها من الجانب الجزائري، تحولت الى مبعث “قلق مجتمعي” في تونس، بالنظر الى أهمية التبادل البري والسياحة بين البلدين، والتي مثلت الى جانب الحدود البرية مع ليبيا، متنفس هام ورئة للتخفيف من وطأة الأزمة الاقتصادية وتداعياتها الاجتماعية في تونس.
لكن مع أهمية “المنافع” في فتح الحدود مع الجزائر، فان المزاج الشعبي العام في تونس، حساس جدا جدا تجاه المسألة الوطنية، والنخب الفكرية والسياسية بدورها ترفض أي منزع يفهم منه “هيمنة الجار”.
كما ان السلطات التونسية، وان كانت لا تريد السقوط في ” التهويل” او ” التشويش” على العلاقات مع جارتها الجزائر، مثلما أوضح الرئيس التونسي في لقائه بلعمامرة، فان رد الجانب الجزائري كان أيضا واضحا ، اذ نقل بيان الرئاسة التونسية، عن الوزير الجزائري بعد استقباله من الرئيس التونسي، أن “السيّد رمطـان لعمـامـرة شدد على أن بلاده حريصة على نجاح تونس واستقرارها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وأكّد، مجدّدا، على أنها تحترم خيارات قيادتها وتثق في قدرتها على خدمة مصلحة تونس في المرحلة القادمة”.
وتمّ، خلال اللقاء، بين الرئيس التونسي و وزير خارجية الجزائر، “التطرّق إلى جملة من المواضيع المتصلة بالتعاون الثنائي لا سيّما على مستوى تنقل الأشخاص بين البلدين، فضلا عن استعراض أهم الملفات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وفي مقدّمتها الملف الليبي حيث تم التأكيد على تطابق وجهات النظر بين تونس والجزائر حول ضرورة التوصّل إلى حلّ سياسي ليبي-ليبي دون تدخل خارجي بما يحفظ وحدة هذا البلد الشقيق وأمنه، وبما يُعزّز الاستقرار في المنطقة”، وفق نص البيان الذي نشرته الرئاسة التونسية، على صفحتها بموقع “فيسبوك”.
وان كان ما ورد لا يخلو من “تحسينات دبلوماسية”، فان “التطابق في وجهات النظر”، وخاصة تجاه الملف الليبي، لا ينفي ان هناك تمايز في الموقف التونسي من الازمة الليبية عن نظيره الجزائري، ففي حين تدعم الجزائر وبقة حكومة بعينها ( حكومة الدبيبة)، فان تونس “مع الجميع”، على قاعدة حل “ليبي ليبي”، وهو موقف يعطي “مسافة أمان” مهمة، نظرا لحساسية القضية، ولمكانة واهمية ليبيا في حسابات تونس الاقتصادية و الامنية والسياسية.
وهذا المواقف التونسي، الغير حاسم ومعنى الغير منتصر لطرف دون أخر، قطعا لا يروق ولا يستجيب “للهندسة الجزائرية” للمنطقة، وهذا الموقف نجده مهم، وهو في انسجام مع ثوابت الدبلوماسية التونسية، في التعاطي مع الجارتين الجزائر و ليبي، القائم على عدم التدخل في الشأن الداخلي، وعلى “الحياد الايجابي”.
ولا يفوتنا، في هذه الورقة الاشارة الى أن هناك تخوفات جزائرية، من اتجاهات الدبلوماسية التونسية مستقبلا، ومن تحالفات تونس “الممكنة” ، وفرضية اتجاهها نحو المحور “الخليجي المصري”، وتداعيات ذلك على موقفها من ليبيا، وعلى ملف “التطبيع”، لذلك فان الدبلوماسية الجزائرية، تراقب عن كثب تطورات الموقف التونسي، و لا تريد ان تخرج ” الورقة التونسية” من مجال نفوذها وتأثيرها، لأنها تعتبرها في علاقة حيوية بأمنها القومي.
كما كشفت المحادثات بين تونس والجزائروليبيا، على ان تونس وبرغم حالة التوتر السياسي الداخلي ، وتفاقم الازمة الاقتصادية بشكل غير مسبوق، فان لها ورقات مهمة في “ملاعبة” الاقليم و الخارج. وليس في الوارد ، ان تتحول الى بلد خاضع ومهيمن عليه، لا من القريب ولا من البعيد، وانها قادرة دائما على اقامة علاقاتها خاصة مع الأجوار، على قاعدة “رابح رابح” فقط.
Comments