الجديد

فيلم "ولدي" .. رحلة  "تعلم الإرهاب"

تونس- التونسيون
بفيلمه “ولدي” يقدِّم المخرج محمد بن عطية أيضًا تعليقًا على طبيعة دولة تمر بمرحلة انتقالية مثل تونس، التي بدأ فيها الربيع العربي في أواخر عام 2010 ولا يستطيع فيها أشخاصٌ من الطبقة الوسطى تقديم أية آفاق حقيقية لجيل الشباب.
فيلم “ولدي”، تدور قصته  حول شاب تونسي أدار ظهره لأسرته من أجل الانضمام إلى تنظيم “داعش” الارهابي في سوريا.
بعد أوَّل عرض عالمي لفيلمه الأوَّل “نحبك هادي” في مهرجان برلين السينمائي، قال المخرج  محمد بن عطية في حوار مع مجلة “فارايتي” المتخصصة: “أنا أعمل بالفعل على فيلمي القادم. وهو من جديد قصة بسيطة حول أشخاص عاديين يواجهون أشياء أكبر وأقوى من أي شيء كان يمكن أن يتخيله هؤلاء الأشخاص”.
“ولدي” هو عنوان فيلمه الثاني المعروض ويؤكِّد تمامًا ما صرَّح به المخرج محمد بن عطية في ذلك الوقت. تدور أحداث هذا الفيلم في جوهره مثل فيلم “نحبك هادي” في البداية حول الحياة اليومية فقط. يعرض لنا المخرج أشخاصًا عاديين في حالات عادية جدًا: أبٌ وأمٌّ يذهبان للعمل، وابن يستعدُّ للحصول على شهادة الثانوية العامة. يجلسون سوية في البيت حول مائدة الطعام، يمزحون، ويسود بينهم جو لطيف ومفعم بالمحبة والحنان.
لكن بعد فترة قريبة لم تعد حال الابن على ما يرام، وذلك من دون شكّ بسبب ضغط الامتحانات، وهذا أمر طبيعي أيضًا. [يصاب الابن بصداع نصفي]، يدفع الأب والأم التكاليف الطبية، على الرغم من أنَّهما يعانيان من نقص في المال. إذ إنَّ راحة ابنهما الوحيد مهمة أكثر بالنسبة لهما من أي شيء آخر، وحتى من صعوباتهما المالية.
وفجأة يرحل. يترك الابن سامي (يؤدِّي دوره الممثِّل زكريا بن عايد) ورقة بسيطة في الغرفة يُخبر فيها والده رياض (يؤدَّي دوره الممثِّل محمد ظريف) ووالدته نازلي (تؤدِّي دورها الممثِّلة منى ماجري) حول موقعه الجديد التقريبي. فها هو موجود في سوريا وقد انضم إلى ميليشيا إرهابية – لا يُذكَر في الفيلم اسم تنظيم داعش، لكن يمكن للمشاهد في الواقع أن يفكِّر من ذاته أنَّ المقصود هو هذا التنظيم.
لا يستطيع رياض ونازلي فهم هذا التحوُّل، وفي هذه اللحظة لا يستطيع فهمه المشاهدون بالتأكيد. سامي الذي كان يبدو حتى ذلك الحين شخصًا بريئًا، والذي كان من المفترض أنَّه سينجح في امتحانات الثانوية العامة المنتظرة وسيتعافى من الصداع الذي يعاني منه منذ أسابيع – كيف يمكن أن يصبح سامي هذا الآن فجأة شخصًا إرهابيًا؟
لا بدّ من تقدير المخرج محمد بن عطية لأنَّ الأمر لا يتعلق في فيلمه “ولدي” بشاب تم التضليل به ولا بالجهادية بحدّ ذاتها، بل إنَّ المخرج يُركِّز بدلًا عن ذلك على رياض ونازلي ويستكشف كيف تؤثِّر هذه المفاجآت الفظيعة على أفراد الأسرة.
لو كان هذا الفيلم فيلمًا من أفلام هوليوود، فعندها من المحتمل أن يحصل المُشَاهد على عدد لا يحصى من مَشاهد المعارك والاشتباكات في سوريا، وأن يُشاهد سامي دائمًا كمجاهد. غير أنَّ المخرج محمد بن عطية ليس لديه أدنى اهتمام في ذلك. فهو يضع قصته داخل الحياة المنزلية؛ من دون سامي تبدو شقة الوالدين فارغة أكثر وتنشأ بينهما برودة صامتة لا توصف.
وهكذا يبدأ الاثنان في إلقاء اللوم على بعضهما، وكذلك يتمكَّن المخرج محمد بن عطية من عدم جعل حواراتهما تنجرف إلى الميلودراما [الدراما المبالِغة في العواطف والانفعالات]. وهذا أيضًا جانب قوي جدًا في الفيلم: صحيح أنَّ هؤلاء الأشخاص في وضع لا يصدَّق، ولكن السيناريو يبقى حقيقيًا وواقعيًا.
 “ضدَّ الجدار”
وعلى العموم فإنَّ كلَّ شيء في هذا الفيلم مُخرَج بحساسية كبيرة. ويساعد في ذلك حضور الممثِّل محمد ظريف في دور البطولة، الذي يحقِّق الكثير بكلمات قليلة. عيناه الحزينتان تؤدِّيان كلَّ العمل، وخاصة في الفصل الثالث عندما يسافر إلى تركيا على مسؤوليته الشخصية لكي يجد سامي ويعيده إلى تونس.
وبطريقة ما فإنَّ هذا التسلسل يذكِّرنا بفيلم فاتح أكين “ضدَّ الجدار”، الذي ينطلق فيه البطل إلى إسطنبول لكي يجد حبيبته القديمة. ولكن الفرق هنا أنَّ الأب هو الذي يلعب دور المتحري.
 تسليط الضوء على تونس
وبفيلمه “ولدي” يقدِّم المخرج محمد بن عطية أيضًا تعليقًا على طبيعة دولة تمر بمرحلة انتقالية مثل تونس، التي بدأ فيها الربيع العربي في [أواخر] عام 2010 ولا يستطيع فيها أشخاصٌ من الطبقة الوسطى، مثل رياض ونازلي، تقديم أية آفاق حقيقية لجيل الشباب. وبما أنَّ شابًا مثل سامي المنحدر في الواقع من أسرة جيِّدة يتَّخذ قرارًا ضدَّ مستقبله في تونس، فهذا يعود بشكل ما إلى حقيقة أنَّ رياض سيتقاعد قريبًا عن العمل وليست لديه مدَّخرات.
سامي لا يريد أن ينتهي به المطاف مثل والده، أمَّا إنْ كان هذا هو دافعه الحقيقي أو إنْ كان مجرَّد تخمين من قِبَل رياض، فإنَّ المخرج محمد بن عطية يترك هذا السؤال مفتوحًا. يؤكِّد تسلسل الأحلام مخاوف الأب، وعلى أية حال فإنَّ كثيرين من مقاتلي داعش في الحقيقة أصلهم من تونس. وعندما يكتشف الأب في نهاية الفيلم حساب سامي على موقع فيسبوك، لا يستطيع إلَّا أن يهز رأسه مستنكرًا عمل ابنه “الأبله” هذا. ولا يستطيع الكلام.
 مقاربات مختلفة
لقد كانت الميليشياتُ الإرهابية في الآونة الأخيرة مصدر إلهام لكثير من الكتَّاب والمخرجين المسرحيين وقبل كلِّ شيء السينمائيين. على سبيل المثال تكتب الكاتبة البريطانية-الباكستانية كاملة شمسي في روايتها “منزل النار” الحائزة على جائزة حول الجوانب السياسية، وفي فيلمه الوثائقي “عن الآباء والأطفال” يرافق المخرج السوري طلال ديركي أسرةً إسلاموية [من جبهة النصرة].
وفي فيلمه “بروفايل” يقدِّم المخرج الكازاخستاني تيمور بيكمامبيتوف كلَّ شيء كقصة مثيرة: تقوم صحفية بريطانية متخفِّية بالاتِّصال مع أحد الجهاديين في سوريا وتكسب ثقته، وهذا الفيلم كله مصوَّر عبر شاشة. إنَّ فيلم “ولدي” للمخرج محمد بن عطية هو مساهمة متميِّزة في هذا الموضوع الصعب والمليء بالتحدّيات، يستحق جمهورًا واسعًا من المشاهدين.
 
عن موقع “القنطرة”
 
 
 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP