بصمة تونسية في قمة تونس
منذر بالضيافي
قمة تونس لاحظنا فيها “بصمة تونسية” واضحة لا غبار عليها، برزت من خلال الشكل أولا ثم لاحقا المضمون، اذ نجح الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، في اقناع أهم الزعماء والقادة العرب في الحضور الى تونس، وهذا في حد ذاته يعد “انجاز” مهم، في محيط عربي سمته الأساسية التفكك والانقسام، ولعل هذا ما جعل الرئيس السبسي يبدو “متحررا” في تحركاته وفي كلمته الافتتاحية وطيلة ادارة الجلسة الختامية، ليعانق بالتالي الشكل المضمون، ويعطي خصوصية تونسية للقمة، برزت من خلال بيانها النهائي، الذي وان حافظ علي بنيته ومنهجه السابق، فان “الروح” أو “البصمة” التونسية كانت حاضرة وبقوة.
الخطاب الافتتاحي للرئيس الباجي قايد السبسي، دعا فيه الى اعادة ترتيب الأولويات، وهو الذي يدرك جيدا، أنه أمام مهمة صعبة في اقناع الحضور، من ملوك ورؤساء في التوافق والالتقاء على “كلمة واحدة”، برغم أنه ينطلق من موقع مريح مرده عدم تورط الدبلوماسية التونسية في عهده في صراع المحاور العربي، ولا أيضا في “تصدير الثورة” (ثورة 14 جانفي 2011)، وهي ورقة مهمة وظفها جيدا هذا السياسي المخضرم، الذي عايش تقلبات النظام العربي، منذ ثمانينات القرن الماضي، حينما كان يشغل حقيبة الخارجية، في زمن حكم الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة، واستمر شاهدا وفاعلا في هذا النظام، الذي أربكته ثورات الربيع العربي، التي انطلقت قبل ثمانية سنوات من تونس.
لقد كان حاضرا في تحرك الرئيس السبسي، السياق العام الذي دخلت فيه البلاد بعد الثورة، وأنها تمر بمرحلة انتقال ديمقراطي، جعل منها مختلفة عن كل بقية الأقطار العربية، ظهر في ادارته في كل مراحل الاعداد، وفي مقررات / بيان تونس، دون أن “يزعج” ضيوفه، وهو ما برز حينما تطرق الى طبيعة العلاقات التي يجب ان تربط العرب بأجوارهم ومحيطهم الاقليمي، وهي نقطة ذات حساسية خاصة بالنسبة لجل الدول العربية، خاصة الخليجية منها.
وهنا الرئيس قايد السبسي “على ضرورة مواصلة تعزيز العلاقات العربية مع بقية التجمعات والفضاءات الإقليمية، في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، بما يُساهم بشكل فاعل في توسيع دائرة الدّعم والمساندة للقضايا العربية على الساحة الدولية”، مثمنا في هذا الصدد مُخْرجات القمّة العربية الأوروبية الأولى التي اختضتنها الشهر الماضي مصر و التي قال انها ساهمت في بلورة إدراك أعمق للتحديات المشتركة، وأسّست لمرحلة جديدة من الحوار والتعاون بين هذين الفضاءين.
ولعل أبرز دلالة على تباين واختلاف مقررات “قمة تونس” في مفرداتها و “لهجتها” عن سابقاتها من القمم التي انعقدت في دول لها “أجندات” لا تخفيها ولعل اخرها قمة السعودية، هو ردة الفعل الايراني على “الاتهامات” التي وجهت لها من قبل عديد المتدخلين، والتي اعتبرتها “أكثر إيجابية” بسبب تونس”، مثلما أشار المتحدث باسم الخارجية الايرانية بهرام قاسمي.
فقد وصفت وزارة الخارجية الإيرانية القمة الثلاثين لجامعة الدول العربية، التي استضافتها تونس، الأحد، بأنها “أكثر إيجابية” من القمم السابقة، رغم الانتقادات الموجهة لطهران، معتبرا أن ذلك بسبب “الإدارة الحكيمة” للمسؤولين التونسيين.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي إن “إيران ترصد وبدقة كافة المستجدات على صعيد هذه القمة، لأننا نعيش إلى جانب الكثير من الدول الأعضاء في هذه الرابطة في منطقة ساخنة من العالم ولدينا حدود مشتركة مع بعضنا البعض، وبوصفنا أمة إسلامية واحدة لدينا هواجس ومصالح مشتركة فيما يخص الكثير من قضايا العالم الإسلامي”..
وأضاف: “ما عدا الكلمات التي أدلى بها عدد قليل من أعضاء الجامعة العربية التي مع الأسف، أبدوا خلالها إصرارا عديم الجدوى على نهجهم غير البناء وغير الصائب في العداء ضد إيران، ووجهوا لها اتهامات لا أساس لها من الصحة.”.
لكنه تابع بالقول إن إيران “تقيم التوجه والأجواء العامة للقمة العربية الأخيرة، بأنها كانت أكثر إيجابية بالمقارنة مع الاجتماعات السابقة لهذه القمة”، مرجعا ذلك إلى “الاستضافة والإدارة الحكيمة والبناءة لهذا الاجتماع من قبل المسؤولين التونسيين”..
وبالعودة الى “البصمة التونسية” سواء التي برزت في القمة أو التي يتوقع أن تستمر خلال كامل فترة الرئاسة التونسية، نشير الى أنه وقع تضمينها في كلمة الرئيس السبسي ، في افتتاح اشغال هذه الدورة، في قصر المؤتمرات في العاصمة، والتي تتمثل في العمل من أجل “تخليص المنطقة العربية من جميع الأزمات وبؤر التوتر وما يتهددها من مخاطر”، التي تعتبر عند الرئيس التونسي بمثابة “حاجة ملحة لا تنتظر التأجيل”.
Comments