هشام الحاجي
تعتبر مساءلة السلوك الانتخابي مدخلا لفهم بعض مكونات الثقافة السائدة في مجتمع معين. و تزداد اهمية هذه المساءلة في ظل تركيز الاعلام على ما هو حيني علاوة على انخراط بعض مكوناته بشكل مباشر و واضح و منحاز في الحملة الانتخابية .
هذه المحاولة تفكير في هذا المجال تنطلق من الاشارة الى امرين هما ان المقارنة مع مرحلة ما قبل 14 جانفي 2011 في ما يتعلق بالانتخابات و سيرها تفرض نفسها بحكم القرب الزمني و الفارق كبير و واضح بين المرحلتين لاننا نعيش حاليا و بصرف النظر عن التحفظات تنافسا انتخابيا حقيقيا .
اما الامر الثاني فهو ان الحديث عن هشاشة السياق الحالي لا يحمل في طياته حكم قيمة بل ينطلق من تشخيص موضوعي للوضع التونسي حاليا سياسيا و اجتماعيا . و اما السلوك الانتخابي فهو كل سلوك يرتبط بالمسار الانتخابي في مستوى الترشح و ابداء الراي في الحملة و المشاركة فيها ثم التصويت او مقاطعته و التفاعل مع مناخ التصويت و نتائجه .
لا يمكن للسلوك الانتخابي ان يكون متجانسا لتعدد المواقع و الخلفيات داخل العملية الانتخابية اذ نجد :
– المترشحين و الاطراف السياسية و الثقافية التي تقف وراءهم
– الوسطاء بين المترشحين و الناخبين كوسائل الاعلام و جماعات الضغط المالي و الاقتصادي
– ادوات الضبط و المراقبة و “العقاب” المادي و المعنوي من هياكل تتمتع بالاستقلالية و منظمات المجتمع المدني
انطلاقا من هذا التقسيم يمكن القيام بقراءة سريعة تعطي الاستنتاجات الاولية التالية:
1- المترشحون و يمكن من خلال المقارنة بالانتخابات الرئاسية 2014 ابداء الملاحظات التالية
– تقلص حضور و تأثير الشخصيات ذات الماضي السياسي و الحزبي الكبير اذ لا نجد الا عبد الفتاح مورو و حمة الهمامي و كلاهما لم يساهم ماضيه في زيادة حظوظه الانتخابية.
– غياب دور سردية معارضة النظام القديم و المساهمة فيه في الفرز بين المترشحين او في تجميع الانصار و المؤيدين و هو ما جعل اصدقاء الامس يخوضون اليوم اعنف المعارك الانتخابية
– غياب كلي للشخصيات التي لعبت ادوار متقدمة في نظام الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي ( في 2014 ترشح كمال مرجان و عبد الرحيم الزواري و منذر الزنايدي)
– بروز لافت لشخصيات اتت من خارج الحقل السياسي بمفهومه الضيق ( نبيل القروي و قيس سعيد)
– غياب العنف اللفظي و المادي بين المترشحين و انصارهم و لم تسجل الا حالات معزولة و غير مؤثرة على المسار الانتخابي
-تجاوز عدد من المترشحين لسقف الانفاق الانتخابي
– هيمنة اليات الاتصال و مؤسساته على العملية الانتخابية
2 – الاحزاب السياسية التي يبدو واضحا تراجع دورها و من اللافت هنا ان مرحلة ما بعد 14 جانفي 2011 قد شهدت رقما قياسيا في اندثار و تلاشي و انقسام و تراجع دور الاحزاب السياسية
– ضعف الاستقطاب السياسي و دور الاحزاب السياسية و الانتخابات الحالية جعلت الاحزاب تخشى على مستقبلها اكثر من خشيتها على مصير مرشحيها
– غياب دور كبار المثقفين و الفنانين و صناع الراي في الحملة الانتخابية و في مساندة المترشحين
3 – الوسطاء
– وسائل الاعلام خاصة المرئية و المسموعة لا يخفي اهمها انحيازه و تجنده لنصرة مرشح على حساب اخرين
– الدور الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي و عمليات سبر الاراء في توجيه الناخبين و التشويش عليهم
– الدور الواضح لرجال الاعمال و لشخصيات “اللوبيات” في دعم عدد من المترشحين
– عودة المعطى الجهوي كاداة جذب و فرز و تمايز بين المترشحين
و ما يلاحظ بالنسبة للجمهور المتلقي فيمكن الاشارة الى تراجع الاهتمام بالانتخابات و بالحملة الانتخابية مقارنة بالانتخابات السابقة و وجود نسبة مرتفعة من الناخبين لم تختر بعد مرشحها
اما بالنسبة لهياكل الرقابة فهناك ارتباك واضح في اداء الهيئة العليا للانتخابات و هيئة الاتصال السمعي-البصري