النهضة و مازق الانتصار "غير المجدي" ؟
هشام الحاجي
يعتبر عدد من الخبراء الاستراتيجيين ان الانتصارات تمثل احيانا “متاهة حقيقية ” لمن يحرز عليها . و يبدو ان هذا ما ينطبق على الانتصار الذي حققته حركة النهضة في الانتخابات التشريعية الاخيرة .
هذا الانتصار ارتبط مع ما يشهده “الرصيد الانتخابي” لحركة النهضة من تراجع تجلى في خسارة ما لا يقل عن 17 مقعدا مقارنة بانتخابات 2014 و هو ما يمثل بالنسبة لقيادات حركة النهضة عامل انزعاج و مجالا للبحث عن اسباب هذا التراجع في الشعبية .
و لا شك ان تسرب مشاعر الخوف و الشك الى قيادات حركة النهضة حول مصير الانتخابات يمثل عنصرا مستجدا مقارنة بالروح الانتصارية و الثقة في النفس التي خاضت بها حركة النهضة في انتخابات 2011 و 2014 .
و يكفي استحضار حالة الفرح العارمة التي انتابت راشد الغنوشي عند الاعلان عن النتائج و سجود الشكر الذي قام به لندرك ما تسرب من شك الى قيادات حركة النهضة .
متاهة الانتصار تتجلى ايضا في ان انتصار التشريعيات قد وضع حركة النهضة لأول مرة امام مسؤولية تشكيل حكومة لان توليها امر الحكومة اثر انتخابات المجلس الوطني التأسيسي قد جرى في سياق صعود لافت لحركة النهضة من ناحية و من خلال “التفاف” على طبيعة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي الذي كان معنيا اساسا بكتابة الدستور .
في انتخابات 2014 كانت حركة “نداء تونس ” هي المكلفة بتشكيل الحكومة و اكتفت حركة النهضة بإدارة خيوط اللعبة من خلف الستار . و اذا كانت حركة النهضة لا تستطيع “التفصي” من مهمة تشكيل حكومة فان وضعها غير مريح بالمرة .
ذلك انها تجد نفسها مضطرة للبحث عن اغلبية يصعب تجميعها و ذلك نتيجة التناقضات التي تشق الكتل البرلمانية الجديدة . فقد اتسعت الهوة بين حركة النهضة و حزب “قلب تونس” الى حد بروز “فيتو” متبادل حول الالتقاء في حكومة واحدة و قد اغلقت التصريحات الأخيرة الباب نهائيا امام “عودة الود ” بين راشد الغنوشي و نبيل القروي.
يضاف الى ذلك حالة العداء المعلن منذ سنوات بين حركة النهضة و الحزب الحر الدستوري و ايضا ابتعاد حركة “تحيا تونس” عن راشد الغنوشي و حركته و هو ما يجعل النهضة مدفوعة للتركيز في مفاوضاتها على” حركة الشعب” و” ائتلاف الكرامة” و “التيار الديمقراطي ” و هي تدرك ان هذه المفاوضات تواجه “صعوبات هيكلية ” في ظل حالة العداء المعلنة بين “حركة الشعب” و “ائتلاف الكرامة ” لتباين بين الطرفين في المقاربة و في الموقف من العمل النقابي و الارهاب و سوريا.
كما لا يبدو الامر افضل مع “التيار الديمقراطي” الذي رفع سقف مطالبه عاليا و هو ما قد يؤدي الى فشل المفاوضات مع حركة النهضة .
لا تقف متاعب حركة النهضة عند هذا الحد في ظل “ضغط ” اهم المنظمات الوطنية حتى لا يتعطل مسار تشكيل الحكومة مع تساوق هذا الضغط مع التلويح باللجوء الى “حكومة كفاءات” و هو ما لا يمكن لحركة النهضة ان تقبله او تقنع به قواعدها التي تعمل من خلال العودة الى مربع “الخطاب الثوري” على استعادتها و اعادة تعبتها للمستقبل .
قد يبدو تلويح حركة النهضة بانها لا تخشى اللجوء الى انتخابات سابقة لأوانها طريقا للخروج من “متاهة الانتصار ” و لكن قد يكون هذا التلويح اشبه بتلويح الدول النووية باستعمال هذا السلاح حسب ملاحظة احد المحللين لان الخشية من تغير المعطيات و من خسارة المكانة اصابت الجميع بما في ذلك حركة النهضة و هو ما يجعلها حريصة على التمسك بهذا الانتصار حتى و ان تأكد في النهاية انه “غير مجد” تماما كما اثبت التصويت المجدي الذي استعملته حركة نداء تونس انه غير مجد سياسيا.
هشام الحاجي
Comments