قيس سعيد الرئيس .. بين القبول والرفض
هشام الحاجي
اعادت مناخات ما بعد 14 جانفي 2011 تشكيل علاقة الراي العام بالطبقة السياسية من خلال ما وفرته من مجالات امام تداول المعلومة و اطلاق العنان للكلمة مما وللنقد الذي كانت ممارسته في السابق محفوفة بالمحاذير و تفتح احيانا الباب امام مخاطر وأهوال على صاحبها.
وضعت المناخات الجديدة منصب رئيس الجمهورية الذي ظل لعقود مسيجا ضد النقد في مرمى التقييم و النقد الذي يصل احيانا حد الاستهداف خاصة في ظل سطوة مواقع التواصل الاجتماعي و ادمان التونسيين على تصفحها و تناقل محتواها و التعامل مع مضامينها كحقائق لا يرقى اليها الشك .
على امتداد السنوات التي تلت ثورة 14 جانفي 2011 تداول على رئاسة الجمهورية كل من المنصف المرزوقي و الباجي قائد السبسي و قيس سعيد ، و قد تعامل الاعلام و مواقع التواصل الاجتماعي بأسلوبين مختلفين مع كل من المرزوقي و قائد السبسي، و ذلك من منطلق اختلاف توجهات الرجلين و تباين منطلقاتهما، الى جانب ما يميز شخصية كل واحد منهما عن الاخر .
واذا كان المجال ليس مجال مقارنة بين الرجلين فان ما جمع بينهما في هذا الصدد هو انهما قد اختارا التفاعل و احيانا السجال مع الاعلام و الراي العام و مواقع التواصل الاجتماعي، و اختلف الباجي قائد السبسي عن منصف المرزوقي، بما اضفاه على المشهد من خصوصية بفضل ما له من سرعة البديهة ، الأمر الذي مثل عامل ساعد على نزع التوتر في علاقته بالإعلام و الراي العام و مواقع التواصل الاجتماعي بما جعل انصاره و معارضيه يعتبرونه “بجبوج ” كل التونسيين .
الايام الاولى لقيس سعيد في رئاسة الجمهورية تنبئ اننا امام نموذج مختلف في طبيعة العلاقة مع وسائل الاعلام و مواقع التواصل الاجتماعي . ففي ما يتعلق بأسلوب قيس سعيد فانه حافظ لحد الان على نفس التمشي الذي اعتمده في حملته “الانتخابية ” و القائم على ما يمكن اعتباره “تقشفا اتصاليا” انسجاما مع شخصيته و مع تصوره للفعل السياسي .
فقد أبدى سعيد حرصا على احترام قواعد البروتوكول و قدرة واضحة على “التعلم ” في هذا المجال اذ عكست حركاته عند استقبال السياسيين ما في شخصيته من صرامة و جدية، كما شكل هندامه رسالة طمأنة على ان الرئيس الذي يروج على أنه المناهض للمنظومة و للنسق، حريص على احترام مقتضيات الاناقة الرسمية، و انه لا يعتبر ارتداء ربطة العنق تقربا من “الثورة المضادة .
نلاحظ – الى حد الان – أن “التقشف الاتصالي ” و حرص البعض على عدم مغادرة مربع “الزمن الانتخابي” قد جعل تعاطي الاعلام و مواقع التواصل الاجتماعي مع رئيس الجمهورية يتراوح بين موقفين حديين .
ذلك ان البعض يتعاطى مع قيس سعيد بوصفه الرئيس الذي سيقضي على كل سلبيات المجتمع و الذي سينشر العدل بعد ان عم الجور و هو ما يجعله “قيس المنتظر” بل ان احد هؤلاء و هو من الخبراء الموضوعيين قد اعتبر اننا امام ” رئيس فريد” لم يجد الزمن بمثله.
قد تكون فرادة قيس سعيد في السياق الذي ظهر فيه و في اسلوبه في مقاربة الشأن السياسي و هو ” تفرد ” له اسبابه الموضوعية التي لا علاقة لها بإعجاز يحاول البعض اضفاءه على رئيس الجمهورية الى درجة رفض كل انتقاد او ابداء ملاحظة في شانه و هذه المحاولة تتغذى من ارتفاع سقف الانتظارات لدى انصار الرئيس و “مريديه”.
خاصة بالنظر الى النسبة العالية من الاصوات التي تحصل عليها و التي لا تعتبر نقيصة بل انجازا لقيس سعيد لكن عدم التوفق في التعامل معه قد يجعل منه عائقا امام الممارسة الطبيعية لمهام رئيس الجمهورية.
قد يشجع الذين يضفون “قداسة دنيوية ” على قيس سعيد على التهجم على المعارضين و ربما استهدافهم.
في المقابل يجنح البعض من معارضيه الى التعاطي معه وفق اسلوب “التدنيس” اذ يسحبون عن قيس سعيد كل صفة ايجابية و لا ينظرون اليه الا “كرئيس الصدفة ” و “رئيسا مستعملا و تكرارا لتجارب فاشلة في مجتمعات اخرى ” .
و لا شك ان “التقديس” و “التدنيس” هما من الناحية الفكرية وجهان لعملة واحدة لانهما يغيبان ما هو انساني في تجربة رئيس الجمهورية و يحملانه في الاتجاهين اكثر مما يحتمل، و يتجاهلان حركية المجتمع، الذي تتنزل فيه تجربة قيس سعيد ، و هو مجتمع انساني لا مكان للملائكة و الشياطين فيه.
لكن، المهم بالنسبة لعقلاء القوم هو أن يمنح رئيس الجمهورية مهلة من الزمن قبل الحكم له او عليه بعيدا عن الاندفاع اللامنطقي في المساندة المطلقة او الانخراط بلا هوادة في معارضة مطلقة وعدمية.
Comments