الجديد

تونس الثورة .. بلا مشروع وطني

هشام الحاجي

يبدو أن تجربة الانتقال السياسي الذي تعيشه تونس، و الذي قد لا يؤدي بالضرورة إلى إرساء نظام ديمقراطي،  يعيش مفارقة ما انفكت تزداد وضوحا، و تتمثل في وجود هوة بين واقع المواطنين و تطلعاتهم و أسلوب تفكير، ومعشر السياسيين و ممارساتهم.

و يكفي التراجع الواضح في المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية منذ 2011 إلى حد الآن، للتأكد من هذه المفارقة و تعمقها. و لا شك أن الطبقة السياسية تتحمل مسؤولية هذه المفارقة، خاصة و أن انعدام ضغط أجهزة الدولة يعني أن للسياسيين مطلق الحرية في التفكير و التعبير و التحرك.

لكنهم لم يوظفوا هذا المناخ لمد جسور تواصل متينة مع المواطنين بل للانخراط في صراعات سياسية تكاد لا تنتهي. هذا الانخراط الذي سبقه تلويح طفولي بالاستجابة لكل التطلعات،  في حيز زمني قصير أوجد شرخا في العلاقة بين المواطنين و المؤسسات السياسية التي اصبح أغلب التونسيين يعتبرونها عاجزة عن الإسهام في تطوير وضعهم و مطية للسياسيين لتبادل المناكفات و وضع العراقيل لبعضهم البعض و للحصول على امتيازات فردية و فئوية.

و مما يزيد في حدة المفارقة غياب مشروع مجتمعي،  يمكن أن يحشد الطاقات و يحركها و تراجع كل المؤشرات الاجتماعية و الاقتصادية،  و غياب مبادرة من الطبقة السياسية ، في هذا الاتجاه.

عاشت الجمهورية الأولى على وقع مفارقة قوامها أن الدولة كانت متقدمة على المجتمع في ما يتعلق بالتحديث الاجتماعي، و دون تطلعاته في المستوى السياسي،  و كانت الجمهورية الثانية في بداياتها متقدمة سياسيا و متراجعة إلى حد ما في التحديث الاجتماعي،  و ها هي تسير حاليا في اتجاه خلق مسلكين متوازيين،  احدهما لطبقة سياسية لا تهتم إلا بموقعها و إلى حد ما امتيازاتها،  و الآخر لمواطنين أصبحوا يشعرون أنهم انتقلوا من نظام أبوي يمارس الإكراه و يوفر أيضا الرعاية،  إلى نظام غاب فيه الأب و لم تعوضه المؤسسات الناجزة و الفاعلة.

 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP