الجديد

خالد شوكات

دروس من تجربة التفاوض في تشكيل الحكومة

بقلم: خالد شوكات

خضت خلال الأشهر الثلاثة الماضية تجربة تفاوضية لتشكيل الحكومة الجديدة التي يفترض ان تترجم إرادة الشعب التونسي المعبر عنها في انتخابات اكتوبر 2019، ويهمني تقديم بعض الخلاصات (قلت تجاوزاً دروس) من هذه التجربة، علها تساعدنا في تجاوز الهنات والصعوبات التي بدت لي معيقة لمسار الانتقال الديمقراطي وتحقيق انتظارات المواطنين، التي يبدو انها ما تزال بعيدة المنال.

خضت الى جانب زميلي في قيادة حركة نداء تونس علي الحفصي، هذه التجربة بدعوة ممن كلّف بتشكيل الحكومة (الحبيب الجملي، ثم الياس الفخفاخ)، وما كان هناك من داعٍ لخوضها لو لا هذه الدعوة، فنحن حزب خسر الانتخابات ومكانه الطبيعي برأيي المعارضة، لكن خصوصية مرحلة الانتقال الديمقراطي والظروف الصعبة التي تمر بها بلادنا، تبرر نسبيا هذه المشاركة.

في الحالتين، اي حالة الجملي وحالة الفخفاخ، كنت اشعر شخصيا بان النظام السياسي المعتمد غير عادل وغير منطقي، ففي حين يمنح الدستور السلطة التنفيذية لرئيس الحكومة، نجد انفسنا امام شخصية لا تملك اي شرعية شعبية، فسي الحبيب الجملي مستقل (ولو صوريا) وسي الفخفاخ قيادي في حزب لم يحرز اي مقعد برلماني كما انه شخصيا شارك في الانتخابات الرئاسية ولم يتحصل الا على اقل من 2‎%‎ من الأصوات، واجد انه من غير المعقول ان لا يعرف الشعب التونسي مسبقا من سيقود حكومته، وان المكلف بتشكيل الحكومة لا يستند الى تفويض شعبي واضح للقيام بوظيفته.

في التجربتين، وجدت ان المكلف بتشكيل الحكومة يصعب عليه في ظل السياق الذي وضع فيه ان يتحرّر من عقلية “المحاصصة” وان يفلت من ضغوطات مراكز النفوذ واللوبيات وان يوفق في ارضاء الكيانات الحزبية متنافرة المرجعيات والمصالح والرؤى، ومن هنا كانت المحصلة في الحالتين وجود أغلبية مجهولة الهوية او محدودة القدرات، يستشرف مسبقا عجزها عن تنفيذ الاصلاحات المطلوبة في القطاعات الموكلة إليها، وفيّ حين طلب الجملي السير الذاتية من الراغبين في تولي مناصب وزارية، اكتفى الفخفاخ بطلب الاسماء وكأنه يعرفها جميعا، وجاءت بعض الاسماء في النهاية غريبة في اختيارها بالنظر الى المناصب المسندة اليها ولا تتفق مع تجاربها العملية وسيرتها التعليمية والاكاديمية، وقد غلبت في خاتمة امر الرجلين الترضيات والتوصيات وتدخلات الجماعات الخفية وغير الخفية، بالسلب والإيجاب، وغابت اليات الشفافية والوضوح، حتى بدا لي ان اهم الاصلاحات المطلوبة في القريب هو إصلاح منهجية تشكيل الحكومة.

لقد تعفنت الأجواء العامّة، وغلبت على النخبة الدسائس والمؤامرات، حتى وصل الامر الى الضرب تحت الحزام، والمكايدات المتبادلة، وتحكمت في العقل السياسي جميع المحدّدات الفاسدة، القبيلة والغنيمة وأيديولوجيا، حتى اصبحت مهمة تشكيل الحكومة مهمة شبه مستحيلة، زاد من استحالتها تشتت المشهد البرلماني وضعف المنظومة الحزبية وانهيار القيم الاخلاقية، ومن هنا فانني لا ارى في ظل النظام السياسي والقانون الانتخابي الراهن ما يمكن ان يشجع على إمكانية خروج سريع من أزمتنا السياسية المتفاقمة. .

ان الحالة التي عليها الرئاسات الثلاث بدورها تزيد الطين بلّا، وقد دفعت صراعاتها الظاهرة والخفية المكلفين بتشكيل الحكومة الى ارتكاب هفوات كبرى صعّبت من مأموريتهم اكثر وقوّت من هواجس الشك والخوف المتبادل بينها، فضلا عمّا تلقيه صراعات هذه الرئاسات طيلة عهد الراحل الباجي قائد السبسي، من ظلال مظلمة تعمّق أزمة الثقة وتصعب العمل المشترك بين مؤسسات يفترض بها ان تكون متناغمة. أريد ان اكون متفائلا لكنني لا اجد في الواقع ما يعينني على ذلك.. ومع ذلك فانني ارى نورا في اخر النفق.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP