الجديد

الباجي قايد السبسي .. مسيرة رئيس تسعيني، نجح في تأمين الانتقال وتعثر في الحكم

منذر بالضيافي
عاد الجدل خلال الفترة الأخيرة، حول دور ومكانة ومستقبل، الرئيس الباجي قايد السبسي، في ما تبقى من العهدة الرئاسية، التي لم يبقى منها سوى سنة وحيدة. جدل في مناخ سياسي يتسم بدخول البلاد في أتون أزمة سياسية مركبة ومعقدة، زاد التحوير الوزاري الذي أدخله رئيس الحكومة في تداعياتها، كما أنه تحوير كشف عن الصراع الذي ينذر بالتحول الى “مواجهة مفتوحة “بين رأسي السلطة التنفيذية، بين الرئيس قايد السبسي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.
كما أنه جدل كشف عن “تراجع” في دور الرئيس بعد قرار الشاهد الاحتكام للدستور، وهو الذي حكم كامل الأربعة سنوات التي تلت انتخابات 2014 بصلاحيات “نظام رئاسي” خلافا لدستور ما بعد الثورة. من جهة أخرى، يحمل بعض المتابعين الرئيس السبسي مسؤولية ما الت اليه الأوضاع، مردين ذلك الى فسحه المجال لنجله للهيمنة على الحزب الحاكم، ليدخل معه الحزب في أزمة تم تصديرها الى مؤسسات الدولة فأربكتها.
و يحمل جزء مهم من  المتابعين الرئيس السبسي أيضا مسؤولية سوء اختياره لرؤساء الحكومات، وانه كان عليه ومن اليوم الأول اختيار رئيس حكومة له كفاءة وتجربة في ادارة الشأن العام ومعرفة  بالدولة، خصوصا في مرحلة انتقالية صعبة.
بمناسبة عودة الجدل حول الرئيس السبسي، ننشر تقديم لكتاب “الباجي قايد السبسي .. المشي بين الألغام”، للصحفي والكاتب، منذر بالضيافي.
 
عن دار “ورقة للنشر” صدر الجمعة 24 مارس/أذار كتاب جديد للصحافي والباحث في علم الاجتماع منذر_بالضيافي، كتاب تحت عنوان “الباجي قائد السبسي.. المشي بين الألغام”، وهو ثمرة سلسلة من اللقاءات أجراها الكاتب مع الرئيس قائد السبسي بين 2014 و2016.
تتوزع محتويات الكتاب بين مقدمة وثمانية فصول: الرئيس التسعيني.. من بورقيبة إلى الثورة، السبسي والإسلاميون.. من الصراع إلى التوافق، عودة السبسي.. عودة البورقيبية، التوازن السياسي.. أساس الانتقال الديمقراطي، الأنموذج التونسي.. الأصول والجذور، السبسي الرئيس.. تخوفات وانتظارات، الرئيس السبسي.. قلق على “ما بعد السبسي” وشهادات ..السبسي ما له وما عليه.
جاء في مقدمة الكتاب: بعد عشريتين من “التقاعد السياسي”، عاد الباجي قايد السبسي، عاد “الشيخ التسعيني”، في مرحلة توصف بكونها “فارقة”، ضمن سياق ما يعرف بـ “الحالة الثورية”، تمت الاستعانة بخبرته وبمعرفته بالمجتمع والدولة وبـ “شرعيته الوطنية” وبـ “قابلية” قطاع واسع من التونسيين، للإرث التحديثي للزعيم الحبيب بورقيبة، الذي يعد العائد من بعيد من أبرز تلامذته.
 

مسار طويل.. المشي بين الألغام

عرف المسار السياسي للرجل، وهو مسار طويل وممتد امتداد سنوات العمر، فترات من المد والجزر، وكان طيلة هذا المسار الممتد من النصف الثاني من القرن الماضي الى يوم الناس هذا، كمن يمشي في حقل من الألغام، لكن يحسب له دائما قدرته على التأقلم وعلى المناورة، من خلال التسلح بالواقعية والبراغماتية معا، فالسياسة في قاموسه هي “فن الممكن” بامتياز، فهي متحركة وخاضعة دائما لتغير وتبدل موازين القوى.
بعد سقوط حكم بن علي، الذي يكن له الرجل “ازدراء وكرها”، وقيام “ثورة 14 يناير” 2011 التي يعتبرها “ثورة شعبية أصيلة”، شاءت الأقدار أن يعود بقوة للحياة السياسية، ليحتل كما كان زمن بورقيبة موقع الصدارة، لكن هذه المرة، في دور جديد مختلف عن السابق، ليتولى حماية “الثورة” و”الدولة” معا، عندما قبل منصب الوزير الأول، في أول حكومة بعد هروب الرئيس الأسبق بن علي.
كما لعب دورا مهما ومؤثرا في حماية تجربة الانتقال الديمقراطي، سواء من موقع المعارضة لحكم الاسلاميين   (2012-2014)، أو بعد فوزه بالرئاسة وفوز حزبه بالتشريعيات، وتمسكه بخيار “التوافق” لإدارة وضع انتقالي صعب وغير مستقر، وضع أدرك أنه لا يحتمل وجود الإسلاميين في المعارضة.
بعد تزعم المعارضة، وعقب تحقيق فوز انتخابي كبير على الإسلاميين، عاد الباجي قائد السبسي حاكما قويا، لكن وسط تحديات عديدة ومركبة، أهمها تقدمه في السن، فضلا عن تحركه في مناخ غير مستقر وطنيا وإقليميا، إضافة إلى نظام سياسي أريد له أن يكون “هجينا”، وهو ما خلق وضعا ظهرت فيه البلاد وكأنها بلا حاكم فعلي.
 

لماذا هذا الكتاب؟ ولماذا قائد السبسي؟

يعتبر الكاتب أن مسار السبسي هو الذي دفعه للاهتمام به ثم الكتابة حوله، ويؤكد على أن الكتاب ليس سيرة ذاتية للرجل، وليس أيضا تقييما لفترة رئاسته للبلاد، التي يبدو أنه من السابق لأوانه الحديث عنها وهي تدخل سنتها الثالثة، بقدر ما هو محاولة لرصد الدور والموقع الذي شغله هذا “الشيخ التسعيني”، الرئيس الباجي قائد السبسي، في تجربة الانتقال السياسي نحو الديمقراطية، التي بدأت بعد الثورة ومازالت مستمرة، وأرجح أنها ستعرف تطورات لاحقة، وأن هناك سيناريوهات عديدة لمصير هذه التجربة، التي وان كانت تبدو واعدة إلى حد الآن، فإنها تواجه أهوالا وشدائد، قد تحكم عليها بالانتكاس، وهو سيناريو يبقى واردا، وإن كنا نأمل أنه من الممكن تجاوزه، ولعل نضج النخبة السياسية التونسية، يجعل من تفاؤلنا هذا أمرا ممكنا ومرجحا.
الرئيس الباجي قائد السبسي، هو آخر “السياسيين التقليديين”، لا في تونس فقط بل في العالم، فمثلما انتهي زمن “المثقف القطب” (العلامة الجامع) لصالح “المثقف الخبير” (المرتبط بالنجاعة وبثقافة السوق)، فإن السياسي “الزعيم” في طريقه للانقراض، ولعل صعود دونالد ترمب في الولايات المتحدة الأميركية، هو أكبر دليل على ذلك، نحن اليوم ندشن، زمن سياسي جديد، انتهت فيه “الزعامة” التقليدية، كما تشكلت في مخيلة الأجيال السابقة، لصالح ما أصبح يطلق عليه بالإدارة السياسية، وهي في الواقع أقرب الى تصريف للشأن السياسي، “فالسياسي المحترف” ترك مكانه “للسياسي الموظف”، الذي تشاركه في الإدارة والتسيير والاختيارات والسياسات “جهات” و”مراكز نفوذ” و”زمر ضغط”، يتحول معها “الرئيس” أو “الحاكم”، الى مجرد “عون تنفيذ”.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP