الجديد

هشام الحاجي

التونسيون و الكورونا .. ملاحظات سوسيولوجية

هشام الحاجي

تفتح الامراض السارية و الأوبئة المجال أمام إمكانية مساءلة المجتمعات لذاتها لأنها تمنح المرض بعدا اجتماعيا أكبر من تلك التي نجدها في حالة المرض الفردي .

لا شك أن فيروس “الكورونا ” الذي يمثل أحد مظاهر عولمة الأمراض و الأوبئة يوفر مختبرا يمكن للمهتمين بالقراءات السوسيولوجية تأمله للخروج ببعض الاستنتاجات التي تسعى لأن تكون علمية انسجاما مع تطور مقاربة الأوبئة منذ أن وقع اكتشاف الفيروسات سنة 1892.

و هو اكتشاف قلص إلى حد كبير من سطوة التفسير الديني للوباء كشكل من أشكال عقاب المتعالي للبشر نتيجة ابتعادهم عن تعاليم الدين و ضوابطه.

لقد أصبح جسد الإنسان بعد هذا الاكتشاف مساحة مفتوحة للاصابة بالعدوى و لنقلها. و كما تعددت منذ ذلك التاريخ الأوبئة تعددت سبل التعاطي معها.

في ما يتعلق بالمجتمع التونسي يمكن القول أن التفاعل قد انقسم إلى ما قبل اكتشاف حصول أول إصابة بتونس و إلى ردود فعل ظهرت البارحة و اليوم بعد الإعلان عن تسجيل أول إصابة.

في المرحلة الأولى لم يتابع التونسيون ما حصل في الصين من نفس الزاوية التي تابع بها الغربيون الأمر. هؤلاء توقفوا عند القدرة الفائقة التي اظهرتها السلطات الصينية في تقطيع الفضاء و في فرض اجراءات عزل عامة و شاملة و في ممارسة سياسة التعتيم و المراقبة و الاحتواء و اعتبروا ذلك دليلا على الطبيعة الكليانية للنظام الصيني.

بعض التونسيين ربطوا ظهور المرض في الصين بسياسات النظام الصيني ضد مسلمي الصين و اعتبروا “الكورونا ” عقابا ربانيا أصاب الصينيين و في ذلك استرداد للقراءة التقليدية للأوبئة و لسبل التوقي منها من خلال اخضاع السلوك الانساني الجماعي و الفردي للأوامر الدينية.

كشف سلوك البعض من التونسيين من خلال استهداف طالب صيني يقيم بتونس عن نزعة عدوانية لا واعية و عن تضخم ما يمكن اعتباره عقدة التمركز حول الذات التي يغذيها خطاب سياسي ينشر وهم أن التجربة التونسية ابهرت العالم و أن لدينا جاهزية استثنائية في التفطن لأي مشتبه في إمكانية إصابته بفيروس الكورونا بمجرد دخوله بلادنا.

ظهور المرض في تونس فتح الباب أمام ملاحظة بعض السلوكيات الدالة سوسيولوجيا، فقد تحول الأمر إلى مجال مناكفة سياسية من خلال توجه نحو استهداف وزير الصحة الجديد عبد اللطيف المكي لا لشيء إلا على خلفية انتماءه السياسي. و هذا أمر يكشف حدة الانقسام السياسي و ضعف الالتقاء حول نقاط مشتركة و أيضا بعض الاستخفاف بالوباء.

الاستخفاف قد يكون أيضا شكلا من اشكال السيطرة الرمزية على المرض من خلال “تتفيهه” و تحويله إلى مدعاة للتندر و هو ما يتجلى في “الطرف” و “النكت ” التي كانت الكورونا وراء ظهورها و ترويجها.

كشف الكورونا ايضا عن ضعف الإلتزام الأخلاقي لدى قطاعات واسعة من التونسيين. فبعد أن رفض سكان ضاحية برج السدرية أن يتحول نزل يوجد في منطقتهم إلى فضاء للحجر الصحي تجاوزهم اطباء و اطارات مستشفى فرحات حشاد بسوسة في رد الفعل البعيد عن الضوابط الأخلاقية من خلال الاحتجاج على قبول المصاب بفيروس الكورونا في مؤسستهم.

سلوك يكشف الهوة التي ما انفكت تتسع بين المواطن و قطاع الصحة العمومية و انتهاك أغلب القطاعات للحد الأدنى من الاخلاقيات التي تقوم عليها مهنهم و اختلال الكفة بين الحق و الواجب.

إذ لا تفكر الأغلبية إلا في الحق و هو ما يضعف من الانتماء المشترك و المواطنة لان ذلك يحتاج للتضحيات المتبادلة و هو ما أبرز كورونا و ما رافقه أيضا من لهفة على تخزين المواد الغذائية.

كما كشفت ردود أفعال التونسيين ضعف الثقة في الدولة و في الخطاب السياسي للنخب الحاكمة.

 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP