الجديد

النظام الرسمي العربي وإسرائيل ..  من "الاعتراف الخجول" إلى "الرقص بالسيوف"

أمين بن مسعود *
بكل بساطة وموضوعية, لا حلول وسطى في القضية الفلسطينية التي تدفع الرأي العام المتابع إما إلى الاصطفاف والانحياز وراء مقولة الإنسانية والتاريخ والجغرافيا والتنوع الثقافي وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها أو الانضواء ضمن تبرير الاستيطان الاحتلالي والتفرقة العنصرية وطمس التاريخ والجغرافيا واقتلاع الشعوب الأصلية من مكانها وزمانها.
كافة حلول التسويات في القضية الفلسطينية والتي تقبل بإسرائيل وتضمن أمنها و”سيادتها” هي حلول مجانبة للتاريخ والجغرافيا, وهي حلول على حساب الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية وهي تسويات مضادة لكافة المقتضيات القانونية والسياسية والإنسانية.
ولهذا الأمر, اختارت مفردات الصراع مع الكيان الصهيوني مصطلح “التسوية” بين الفلسطينيين والإسرائيليين, وهو مصطلح نفعي براغماتي يشير إلى انّ الفرقاء اختاروا “لفلفة” القضية وتواريخها وشهودها وشخوصها, واجتبوا إبعاد كافة المرجعيات القانونية والتاريخية والسياسية واعتبار المسألة موضوع تنازع بين متصارعين وضعتهما “الفُجأة” الزمانية والمكانية على صعيد واحد.
تعرية القضية الفلسطينية وتحييدها عن أية مرجعية أو ثقل معنوي ورمزيّ, كانت الخطوة الأولى نحو استفراد الإسرائيليين بالفلسطينيين في مرحلة أولى ومن ثمة إدخال العواصم العربية واحدة تلو الأخرى إلى نفق التطبيع والقبول بحق “كيان هجين” كإسرائيل في الوجود ضمن المنطق والمنطوق الاغتصابي والاحتلالي والاستيطانيّ في مرحلة ثانية.
كان قرار الجامعة العربية الخاص بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شعبي وشرعي للشعب الفلسطينيّ, حقا اريد به باطل, أما الحق فهو كامن في أنّ منظمة التحرير الفلسطينية تجسّد البوصلة والروح والوجدان الفلسطيني وهي بهذا الأمر تستحق هذا الشرف والاعتراف, أما الباطل فكامن في أنّ المقصد العربي لم يكن ترتيب البيت الفلسطيني أو تأثيث “ديمقراطية البنادق والخنادق” بقدر ما كان تخلّ عن اي جمولة ومسؤولية عربية نحو القضية الفلسطينية, واعتبار الأخيرة قضية خاصة بالفلسطينيين فقط دون اي تدخل أو سند أو تأييد أو دعم من العرب دولا أو منتظم إقليمي.
رحلة النظام الرسمي العربي مع التطبيع بدأت من محطة التخلي الناعم عن القضية الفلسطينية واعتبارها قضية محلية وداخلية تخص منظمة التحرير الفلسطينية فقط, قبل أن تمر إلى بداية نصف التطبيع خلال التسعينات والعقد الأول من الألفية الثالثة, وصولا إلى المرحلة الحالية وهي مرحلة الرقص مع الصهاينة بالسيوف والكؤوس.
سيُسجل التاريخ – الذي يبدو أنه لا يعني شيئا للنظام الرسمي العربي لا من بعيد ولا من قريب-  أنّه في ذات الظرف الذي كانت فيه إسرائيل تعتبر القدس الشريف والمقدس عاصمة لاستيطانها الاحتلاليّ, وتوسع استيطانها العنصري في الضفة الغربية وحصارها الإرهابي على غزة وتفرض الأرسلة على فلسطينيي الداخل, وتضرب عرض الحائط كافة القرارات الدولية الخاصة بحق اللاجئين في العودة والأسرى في التحرير, كانت معظم العواصم العربية ترهول لتل أبيب علنا للتطبيع وإقامة العلاقات العلنية والرسمية والاستراتيجية.
المفارقة أنّ ذات النظام الرسمي العربي الذي يحاصر ويقبل بالحصار على الفلسطينيين, هو ذاته الذي يخطط لمشاريع اقتصادية عملاقة مع إسرائيل بداية من سكة حديد إقليمية وليس انتهاء بمشاريع اتصالات وسياحية ورياضية…
 والمفارقة الأكبر انّه في ذات اليوم الذي تعلن فيه منظمة التحرير الفلسطينية مقاطعتها لإسرائيل وسحب اعترافها بها وتعليق العمل باتفاقيات اوسلو 1993, يُرفع العلم الإسرائيلي في أكثر من عاصمة خليجية ويُستقبل وزراء صهاينة ومتطرفين من حكومة بنيامين نتنياهو استقبال الضيوف الأعزاء.
من رحم هذه الرداءة والردة والارتداد, نستخلص 3 رسائل كبرى, الأولى للفلسطينيين بأنّ القضية الفلسطينية لم تعد تحتمل الانقسام بل تفرض الالتحام, فلم يعد هناك من شيء بالإمكان الاقتتال حوله وكل تأخير في الوحدة الصماء وفق الشروط الوطنية هو رخصة للصهاينة لمزيد من الاحتلال والصهينة, الثانية أنّ التطبيع الحاصل اليوم هو تطبيع رسمي بارد بلا عمق شعبي الذي لا تزال معظم روافده ترفض التطبيع وتناهض إسرائيل من زوايا فكرية وإنسانية وقانونية وتاريخية بحتة.
الثالثة, وهو انّ للتاريخ مسار, وهو مسار نيل الحقوق لشعوبها مهما كلفها من تضحيات وتكلفة وفاتورة, ومن يخون التاريخ يخونه ومن يغدر بمقتضاه يغدر به, وقد ينسى التاريخ إدخال الكثير من الأبطال في بابه وطياته ولكنه بالتأكيد لا ينسى “الراقصين بالكؤوس والسيوف على جثث أبناء فلسطين”… مهما كانوا ومهما نالوا من أوسمة وأسماء…

  • اعلامي وباحث جامعي

 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP