الجديد

منذر بالضيافي

الفخفاخ وحيدا .. هل يصمد؟

كتب: منذر بالضيافي

مثل الاعلان، عن تكليف الياس الفخفاخ، بتشكيل الحكومة من قبل الرئيس قيس سعيد، مفاجئة لجل الفاعلين في المشهد السياسي، خاصة الأحزاب السياسية والكتل البرلمانية الوازنة، لا بسبب التشكيك في قدرة الرجل وكفاءته، بل لكونه – برأيهم – اختيار يتعارض والمتعارف عليه، في تقاليد الأنظمة السياسية البرلمانية، مثل نظامنا السياسي الحالي، الذي اقره دستور 20014، والذي يفترض رئيس حكومة يحظى بدعم سياسي وخاصة برلماني، وهو ما يفتقده الفخفاخ، فضلا عن كونه بلا رصيد شعبي وهو الذي فشل في الاستحقاق الرئاسي الذي تقدم له، كما فشل حزبه (التكتل) في احراز مقاعد في البرلمان، لتكون ديمقراطيتنا بهذا الاختيار  أشبه بمن يمشي على رأسه.

لعل هذا ما جعل رئيس الحكومة “وحيدا”، وهو ما يفسر محاولة اتكائه على شرعية الرئيس، ليجد نفسه قد تورط في “فخ” الرئيس، ويكون سواء بوعي أو بدونه تحت “رحمته” و في “جلباب” رئيس غامض، لعل هذا ما جعل جل المراقبين في الداخل كما في الخارج، لا يترددون في القول بأنه سيكون مجرد وزير أول لدى قيس سعيد، خصوصا وأن هذا الأخير كشف في أكثر من مناسبة قبل وبعد تعيين الفخفاخ، عن “نواياه” في “مركزة” السلطة في قصر قرطاج، متسلحا بقراءة انفرادية للدستور، ومستفيدا من غياب المحكمة الدستورية.

كما أن ادارة واشراف قيس سعيد على أول مجلس وزراء والطريقة التي خاطب بها الفخفاخ قد خلفت الكثير من التساؤلات، حول “نوايا” الرجل في علاقة ب “رئيس الحكومة”، وحول مستقبل العمل بين قرطاج والقصبة، خصوصا وأن الصراع الذي ميز العلاقة بين الراحل قايد السبسي و الشاهد أربك مؤسسات الدولة وأثر على أداء الحكومة.

بالمناسبة نشير الى أن “الانسجام” بين راسي السلطة التنفيذية مطلوبا وهاما لادارة بلد يعاني من مشاكل وتحديات مربكة ومزعجة، لكن الخوف من “الصراع” السابق، لا يجب أن يسقطنا في “هيمنة” قرطاج على القصبة، وتحويل رئيس الحكومة لا الى وزير أول فقط بل الى “أول الوزراء”.

بالعودة لمجلس الوزراء الأخير، لا يفوتنا الاشارة الى وجود روايتين مختلفتين، بين الفخفاخ وسعيد، حول دواعي واسباب انعقاده في قصر قرطاج.

فقد أعلن رئيس الحكومة يوم 5مارس 2020 ، أنه هو من بادر بدعوة رئيس الجمهورية إلى ترؤس أول مجلس وزراء تعقده الحكومة الجديدة، وأنه قبل الدعوة” . ليخبرنا لاحقا ويوم انعقالد المجلس 6 مارس الجاري رئيس الجمهورية وبأسلوب مباشر قائلا: ” حرصتُ على أنْ أتولّى أوّل إجتماع لمجلس وزراء بعد الإنتخابات …أردْتُ أن يكون الإجتماع في هذا القصر”.

نتوقع ان تكون حالة “الوحدة السياسية” للفخفاخ لا مؤثرة فقط بل معيقة لأداء رئيس الحكومة، كما ستكون محددة في ما يتعلق بمصيره في القصبة. فكيف سيتصرف الرجل مع تناقضات الائتلاف الحكومي؟ ومع الصراع المفتوح بين قصر قرطاج والبرلمان؟ ومع “نوايا” الرئيس في التخطيط لمشروع سياسي على أنقاض نظام سياسي لا يتردد في كل مناسبة في رفضه وحتى شيطنته؟ وكيف سيواجه التحديات العديدة والمركبة ( اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا وصحيا أيضا) في ظل هذا المناخ المتسم بحالة “الحرب الباردة” ؟

سيجد الياس الفخفاخ نفسه كمن يمشي في حقل من الألغام، ما سيضطره الى محاولة اللعب على التناقضات، وما أكثر هذه التناقضات التي ترتقي الى صراعات، سواء تلك التي تميز واقع وتركيبة الائتلاف الحكومي الذي يشرف عليه، الذي هناك اجماع على أنه يفتقد للانسجام الضروري والمطلوب، ما سيكون له قطعا تأثير سلبي على روح الفريق وخاصة على تضامنه، دون أن نغفل عن السلبيات التي توارثها هذا الفريق عن كل حكومات ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، وهي اساسا غياب التجربة ونقص الكفاءة والمعرفة بالملفات التي يشرفون عليها الا البعض، وأخيرا تراجع وضعف الادارة وتكلفة تركة ثقيلة تركتها حكومة يوسف الشاهد.

أما الجبهة الثانية في منظومة الحكم والتي نقدر أنها ستعيق كثيرا الفخفاخ – وهي الأهم – ، فهي تلك التي تتصل بالصراع المفتوح بين قصر قرطاج والبرلمان، وهنا نشير الى أن صراع سعيد ليس مع رئيس البرلمان (راشد الغنوشي)  فقط ، كما يروج لذلك البعض، بل أنه صراع أعمق وأشد وأكثر خطورة، فصراع الرئيس الحالي هو مع مجلس نواب الشعب (البرلمان) برمته، ومع المنظومة الحزبية، أي مع النظام السياسي الموجود، الذي لا يتوانى في تحميله مسؤولية الفشل وسوء الادارة، بل أنه لا يتردد في التحريض عليه، على غرار خطابه الأخير في مدينة بن قردان.

ان تراجع أداء وصورة المنظومة السياسية الحاكمة ( الأحزاب والبرلمان) وكذلك محاولة “شيطنتها” من شأنه أن يفتح المجال واسعا “أمام معتنقي الأفكار الشعبوية من أجل دفع رئيس الجمهورية لإعلان إجراءات ترضي الى حين الفئات التي ظلت لحد الآن محرومة من التنمية و ترزح تحت وطأة الوضع الإقتصادي الحالي كإعلان قرارات تعيد البلاد إلى سياقات تجربة التعاضد التي عاشتها في ستينات القرن الماضي”، مثلما ذهب الى ذلك التقرير الأخير لمجموعة الأزمات الدولية.

و قد خلص تقرير مجموعة الأزمات الدولية إلى أن تونس قد تكون مقبلة في الأشهر القادمة على أزمة حادة و عميقة،  خاصة و أن المناخ السياسي الحالي (الذي تطرقنا اليه في هذه المقالة)، يعيق حكومة إلياس الفخفاخ التي شرعت في العمل، يعيقها عن القيام بإصلاحات حقيقية و عميقة، و يفرض عليها الاكتفاء بإدارة يومية للازمة و التفكير أكثر في ضمان البقاء.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP