الجديد

تداعيات وباء كورونا على الاقتصاد التونسي وأليات تجاوزها

كتب: محسن حسن

تطرق الوزير السابق محسن حسن في تدوينة مطولة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” الى الإجراءات الإقتصادية و المالية الواحب إتخاذها للحد من الآثار السلبية على الأفراد و المؤسسات والتي سوف تنجم على وباء فيروس كورونا، وفي ما يلي نص التدوينة:

“الأكيد أن عديد القطاعات الاقتصادية في تونس ستتضرر بمفعول الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية الناجمة عن إنتشار وباء الكورونا و ذلك لثلاثة أسباب رئيسية:

1- إنفتاح الإقتصاد الوطني على الخارج بنسبة مهمة و خاصة على الفضاء الأوروبي الذي دخل في مرحلة الركود الاقتصادي و الانهيار المالي .

2-ضعف صلابة الإقتصاد الوطني و هشاشته وهو ما يحد من قدرته على تقبل الصدمات الخارجية.

3-بداية تفشي هذا الوباء في تونس و تراجع نشاط عديد القطاعات الاقتصادية .

التأثيرات الإقتصادية و المالية على تونس متعددة الأوجه، بالنسبة للمالية العمومية ،أعتقد أن تراجع وتيرة النشاط الاقتصادي سيؤدي إلى تراجع موارد الدولة المتأتية من الجباية و المعاليم الديوانية بالإضافة إلى صعوبة توفير التمويلات الخارجية المبرمجةفي قانون المالية لسنة 2020 و المقدرة ب 9 مليون دينار نظرا لشح السيولة على مستوى الأسواق المالية العالمية و لتوجيه الجزء الأكبر من الموارد المتاحة للمؤسسات المالية العالمية لدعم الدول المتضررة من أزمة الكورونا بعد أن تحولت الأزمة الصحية في الصين إلى أزمة إقتصادية ثم مالية عالمية.

إن تراجع أسعار النفط في السوق العالمية إلى مستوى 30 دولار حاليا ،نتيجة لتراجع الطلب العالمي و إرتفاع الإنتاج السعودي كردة فعل على عدم تخفيض الإنتاج الروسي بعد قرار منظمة الاوبيك، يعد فرصة حقيقية لتونس للحد من العجز الطاقي و تقليص العجزالجاري شريطة التزود بعقود أجلة لاحتياجاتنا من المحروقات .

بالنسبة للقطاعات المتضررة ،فبالإضافة إلى السياحة و النقل و الصناعات التقليديةو التجارة الخارجية ،تعتبر الصناعات التصديرية كالنسيج و صناعة مكونات السيارات و الصناعات الميكانيكية و الكهربائية الأشد تضررا خاصة في ظل إنتشار الوباء في إيطاليا و ألمانيا و الصين ،حيث تمثل مبادلاتنا التجارية مع هذه البلدان 60%من مجموع المبادلات التجارية التونسية مع الخارج.

من جانب آخر، فإن هذه الأزمة قد تعد فرصة لتونس لمضاعفة صادراتها من المواد الفلاحية كزيت الزيتون و الصيد البحري نظرا لما تعيشه إيطاليا من وضع حرج و التي تعتبر المزود الأول من هذه المواد لبقية دول الإتحاد الأوروبي.

بالنسبة للنمو الإقتصادي في تونس سنة 2020،أتوقع أن يكون سلبيا لو تواصل الوضع الدولي علي ما هو عليه و تواصل تراجع التصدير و الإستثمار كمحركات نمو أساسية ،الخروج من هذا الركود الاقتصادي المتوقع يتطلب التحكم في إنتشار هذا الوباء و القضاء عليه قبل بداية النصف الثاني من السنة الحالية.

السؤال المطروح بشدة يتعلق بالسياسات المالية و الإقتصادية و الإجتماعية الواجب إنتهاجها للحد من التأثيرات السلبية على المؤسسات و الأفراد في تونس خاصة في ظل وضعية المالية العمومية الصعبة .

على مستوى السياسة النقدية، يتعين ،في اعتقادي، التوجه نحو التخفيض في نسبة الفائدة المديرية و ذلك للتحكم في كلفة التمويل بالنسبة للمؤسسات و كذلك الأفراد و لما لا تحريك الطلب الداخلي في ظل تراجع التصدير كمحرك للنمو .

من جانب آخر، فإن البنك المركزي مطالب بالتدخل على مستوى سوق الصرف و المحافظة على سعر صرف الدينار و لذلك للحد من اختلال التوازنات الكبرى و المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن و القدرة التنافسية للمؤسسة .

بالنسبة للجانب الحكومي و من الناحية الإقتصادية ،يستوجب العمل على وضع خطط للدفع الإقتصادي للمحافظة على النسيج الإقتصادي الوطني و ضمان إستدامة المؤسسات وخاصة الصغرى و المتوسطة منها . خطط الدفع الإقتصادي يجب أن تقوم على خيارات سريعة ،قصيرة المدى و منها:

1: إسداء إمتيازات جباءية إستثنائية و إعادة جدولة الديون الجباءية للمؤسسات الصغرى و المتوسطة و التي تمر بصعوبات إقتصادية و مالية و ذلك في إطار قانون المالية التكميلي لسنة 2020 الذي لابد أن يصادق عليه مجلس نواب الشعب قبل نهاية جوان2020.

2:العمل على وضع خطوط تمويل لجدولة ديون المؤسسات الصغرى و المتوسطة في القطاعات المتضررة و يشرع في تنفيذه قبل نهاية شهر جوان 2020

3:النظر في إمكانية جدولة ديون المؤسسات لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و التي تمر بصعوبات مالية و تأجيل سداد الأقساط المستوجبة

4-وضغ خط تمويل على ذمة مؤسسات التمويل الصغير لدفع الإستثمار الخاص في المشاريع الصغرى

5-وضع خطط للدفع الاقتصادي القطاعي و إتخاذ إجراءات سريعة للحد من تدهور المنظومات الإنتاجية عموما و خاصة الفلاحية منها.

من الناحية الإجتماعية و نظرا لدقة المرحلة ،فإن الدولة مطالبة بلعب دورها الأساسي تجاه الفئات الإجتماعية الهشة و المتضررة من الوضع الإقتصادي و المالي الحالي و ذلك عن طريق تحويلات مالية إضافية لضمان العيش الكريم و للحفاظ على مقدرتها الشرائية .

في هذا الإطار، يتعين أيضا التحكم في الأسعار و انتظام تزويد السوق بالمواد الضرورية و كذلك تفعيل دور كل الأجهزة الأمنية و المراقبة الإقتصادية لمقاومة الاحتكار والمحافظة على القدرة الشرائية .

 

بالنسبة للقطاع الصحي ،يتعين إيلاء هذا القطاع الأولوية القصوى من خلال توجيه الإمكانيات المتاحة للدولة لتوفير التجهيزات و الإمكانيات البشرية و المادية الضرورية،كما يتعين تفعيل التضامن الوطني و التعاون الدولي كحلول تستوجبها المرحلة لتطوير هذا القطاع الاجتماعي الحيوي .

على المستوىالسياسي ،من الضروري الاشارة إلى ان جحم التحديات الداخلية و الخارجية يقتضي تفعيل الوحدة الوطنية و تغليب المصلحة العليا للوطن على المصلحة الحزبية الضيقة .

إن قدرة تونس على تجاوز الآثار السلبية للوضع الصحي و الإقتصادي و المالي العالمي يتطلب مراجعة أولويات الحكومة و التركيز على الإنقاذ الإقتصادي وحماية الأفراد و المؤسسات.”.
محسن حسن

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP