الجديد

هل بدأت مرحلة الشاهد ؟

كتب: منذر بالضيافي
مثلما كان متوقعا، فان التصويت على أعضاء الحكومة الجدد، أو ما اصبح يعرف في الساحة السياسية ب “حكومة الشاهد 3″، تم وبدون مفاجئات تذكر، ولما حصل تحت قبة باردو ترجمة سياسية ذات رسائل واضحة ولا تحتمل التأويل، لا نبالغ بالقول أنها كانت الغاية والمني، من وراء التحوير الوزاري الأخير، الذي دشن مرحلة سياسية جديدة، سنة واحدة قبل مواعيد انتخابية هامة، ستكون الفيصل والحاسم، في معرفة موازين القوى الحقيقية. لكن، هل يمكن المجازفة بالقول أن مرحلة يوسف الشاهد قد بدأت، كما يروج لذلك “أنصار” الرجل ؟
برغم أن نتائجها كانت محسومة مسبقا، فان جلسة منح الثقة للوزراء الجدد، الاثنين 12 نوفمبر 2018، عرفت “تشويق” و “متابعة” كبيرتين، وهو ما يفسر أهميتها في تحديد المشهد السياسي القادم، وتحديدا دور الفاعلين الرئيسين في السلطة التنفيذية، فضلا عن دور حزب “نداء تونس”، الذي انتقل بطريقة غريبة وغير متداولة في الحياة السياسية، من “حزب حاكم” الى “حزب معارض”، بل يتزعم المعارضة، دور جديد لا نقدر أن الحزب قادر على لعبه، أو حتى المضي فيه الى الاخر مع المحافظة على ما تبقى من انسجامه وتماسكه.
“التشويق” الاعلامي والسياسي الذي رافق جلسة البرلمان لمنح الثقة للوزراء الجدد، يفسر في المقام الأول بأهمية الرهان، وهو رهان ظاهره منح ثقة لوزراء جدد، أما جوهره فهو أكثر من ذلك بكثير، ونعني هنا أن “المسكوت عنه”، هو “منح الثقة لرئيس الحكومة”، يوسف الشاهد بل تجديد ل “الشرعية”، تصويت أريد له أن يحدد مستقبل “صاحب القصبة”، و أيضا مستقبل علاقته برئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي، وبحزبه الذي جمده وتبرأ مما أتاه.
فعلا كانت “جلسة الحسم”، رابط خلالها الشاهد تحت “قبة” البرلمان لساعات طويلة، ولم يغادر الا وهو يلوح بشارات “النصر” ولو مؤقتا، على اعتبار وأن المشهد الحالي – قبل وبعد جلسة منح الثقة – يتميز بتوازن الضعف بين اللاعبين المهمين (الرئيس السبسي، الرئيس الشاهد والشيخ الغنوشي)، اضافة الى كونه متحرك وغير مستقر على حال، لذلك لا يمكن التسرع  أو الحسم بالقول بانتصار هذا الطرف أو ذاك أو هذه الجهة أو تلك.
انتهت الجلسة بتسجيل نقاط مهمة ولا غبار عليها لفائدة يوسف الشاهد، الذي استطاع أن يحول جلسة الثقة على الوزراء الجدد، الى جلسة منح ثقة على حكومته وعلى رئيسها، في الظاهر، كسب يوسف الرهان، واستطاع أن يضرب لأكثر من عصفور بحجر واحد، أولها أنه حسم الأمر – وان بطريقته – بالذهاب للبرلمان، تحوله الى “صاحب أغلبية برلمانية”، لكن أغلبية “مؤقتة” و “غير مستقرة”، في انتظار تحقيق “أغلبية برلمانية” حقيقية، تكون مستندة الى نتائج استحقاق انتخابي، وهذا – ربما – ما يخطط له يوسف وصحبه.
في هذا الاطار، كشفت عدد من نواب كتلة “الائتلاف الوطني” “أنه تمّ الانطلاق في التحضير للمشروع السياسي لرئيس الحكومة يوسف الشاهد منذ سنة”، و “أنّه سيتم الاعلان عنه رسميا في غضون ثلاثة أو أربعة أسابيع”.
في المقابل، نجد أن يوسف الشاهد والدائرة المقربة جدا منه يتكتمون على “نوايا” الرجل، سواء في ما يتعلق ببعث حزب جديد أم أن عينه ما تزال مشدودة الى حزب “نداء تونس”، أو في ما يتعلق بترشحه للاستحقاق الرئاسي المقبل، وهو مطلب ملح لحلفائه في حركة “النهضة”.
حزب الشاهد المنتظر – لو عزم وتوكل وخرج من دائرة التردد للفعل – ستكون من مهامه:  الاعداد للانتخابات القادمة، وتحديد هدف يتمثل في الحصول  على الاغلبية أكثر من 109 مقاعد في الانتخابات التشريعية القادمة، أما المهمة الثانية ل “مشروع الشاهد”،  فهي : “فتح طريق خيار جديد أمام العائلة التقدمية”، أي تجميع ما يسمى ب “العائلة الديمقراطية” في مسعى لا عادة التوازن المختل في الحياة السياسية وفي الخارطة الحزبية.
بالعودة لجلسة منح الثقة الأخيرة، نشير الى أن الشاهد قد قرأ موازين القوى الجديدة،  قبل قرار الذهاب للبرلمان، وبعد أن اصبح متيقنا بأن خرطة التحالفات او التوافقات قد تغيرت، تغيرت لصالح الشاهد وحليفته حركة “النهضة”، مقابل ضعف هامش المناورة لدى الرئيس السبسي، الذي حكم خلال الثلاث سنوات الفراطة، بصلاحيات رئاسية واسعة، تشبه تلك التي كان يتمتع بها الرئيسيين بورقيبة وبن علي، وبعد جلسة 12 نوفمبر 2018 تغيرت الأوضاع، عبر الاحتكام لدستور 2014 الذي يعطي صلاحيات محدودة للرئيس، ويضع السلطة الحقيقية بيد رئيس الحكومة والبرلمان.
ولعل هذا ما جعل غالبية المتابعين للمشهد السياسي في بلادنا يجمعون على أن مرحلة جديدة قد بدأت، من أبرز سيماتها: صعود نجم الشاهد، سواء كحاكم قوي، وهو ما حرص على ابرازه بوضوح في جلسة الاثنين، عندما أكد على أنه “رئيس حكومة موش وزير أول”، أو كمبشر ب “مشروع سياسي” بديل عن “نداء تونس”، مشروع يجمع “القوى الديمقراطية” المختلفة مع مشروع الاسلاميين، عللا غرار ما قام به الرئيس قايد السبسي في 2012، وهو رهان كبير بالنظر الى “قدرات” و “تجربة” الرجل ؟
برغم أنه من الصعب التسرع بالذهاب الى الحسم بأن يوسف الشاهد قد حسم المعركة نهائيا لصالحه، لكنه مع ذلك كسب نقاط مهمة على طريق تثبيت نفسه و التموقع في المشهد الجديد، عبر أخذ مسافة كبيرة عن الرئيس السبسي، حتى لا نقول “الخروج من جلباب السبسي”.
حقق الشاهد اختراق مهم، في صراعه مع الرئيس السبسي ومع حزبه القديم بقيادة نجل الرئيس، اختراق يحسب له في انتظار اختبار قدراته في ادارة البلاد في مرحلة صعبة جدا، وهو الذي لم يوفق لتحقيق مكاسب تذكر خاصة في البعدين الاجتماعي والاقتصادي، خلال سنتين ونصف من الحكم .. فهل سيكون قادرا على تحقيق ما عجز عنه  في ما تبقى له من عهدته الحالية  – لو استمر طبعا الى اخرها – وهي سنة واحدة ؟
 
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP