بورقيبة في قلب الثورة التونسية
محمد الغرياني*
تمر اليوم الاثنين 6 افريل 2020 الذكرى العشرون لوفاة الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله و التونسيون في مواجهة وباء خطير برزت معه الصحة كاهم أولية في حياة البشر .اذكر بذلك لأن بورقيبة جعل هذا الامر منذ منتصف القرن الماضي خيارا استراتيجيا لمشروعه لبناء تونس الجديدة التي قامت أساسا على صيانة الموارد البشرية عبر احداث النواتات الأولى للبنية الصحية و إدخال التلاقيح الضرورية و نشر التعليم و سياسة تنظيم الأسرة واقحام المرأة و تحريرها في معركة البناء العصري للدولة التونسية.
لقد نجح بورقيبة برؤيته البعيدة المبنية على التحديث و على الواقعية السياسية و الاقتصادية في بناء مجتمع تونسي فريد في محيطه حيث وفرت لها هذه المناعة ان تصمد أمام كل المحن و الازمات و ان تتجاوز التحولات التاريخية التي عاشتها بنجاح و ذلك بالرغم من اعتماده لنهج المركزية المفرطة للسلطة لتحقيق التحولات الكبرى في الوعي الوطني الا ان ذلك لم يمنع الشخصية التونسية بفضل رسوخ الوعي الحداثي اجتماعيا و ثقافيا من استكمال مراحل التحديث و التنوير و الانخراط في التحولات الديموقراطية بأقل التكاليف .
لقد نجحت البورقيبية في ان تظل حية في الوعي الجماعي الوطني و حصنا منيعا يحميها من كل ارتداد أو تراجع وارادة صامدة أمام التحديات جعلت من الانتقال السياسي و الثقافي و الاجتماعي للبلاد سهلا مقارنة مع غيرها من البلاد القريبة و البعيدة ،فالبورقيبية المتميزة بروحها الإصلاحية العميقة و المتطورة تبقى في جوهرها متحررة و عصية عن كل محاولة لتنميطها او تجميدها ضمن قوالب جاهزة مثلما يسعى له البعض من المنتسبين لها زورا و بهتانا لأغراض انتهازية و سياسية ظرفية مما أساء لهذا الفكر الشامل و العميق في بعديه التاريخي و الحضاري.
فالبورقيبية في رايي هي منظومة فلسفية سياسية منفتحة و متحولة تعمل دائما على تعديل اخلالاتها و تجاوزها بما يجعلها قادرة على مواكبة الواقع و متغيراته و هذا ما يجب ان تستوعبه الاجيال الجديدة .
و يحرص البورقيبيون الحقيقيون على أن يتحول هذا الإرث الثري إلى إرث وطني و إنساني لا يمكن احتكاره او حصره في بنية تنظيمية مغلقة تنزلق به عن أهدافه و مبادئه العميقة، ذلك أن البورقيبية مثلها مثل كل فكر سياسي عام و شامل لا تقبل التنميط و ترفض الانغلاق و تحرص على مواكبة تغيرات الواقع عبر الاجتهاد الدائم و الانفتاح على ما هو كوني و تأسيس مقومات الهوية على التجدد المتواصل لمكوناتها الثقافية و المجتمعية. ستبقى البورقيبية مخزونا تغذيه محطات تطور الفكر السياسي التونسي المعاصر و جذوره الإصلاحية العظيمة .
ان البورقيبة اليوم، كفكر و مشروع هي في قلب المسار الثوري الذي تخطه بلادنا رغم العثرات و التحديات الداخلية والخارجية و أحيانا بالرغم من الانحرافات سيبقى سواء بالنسبة لمريديه او لمعارضيه مصدر إلهام سياسي خلاق و حلقة وصل تاريخي مع التحولات الإنسانية المعاصرة.
*الأمين العام الأخير للتجمع الدستوري الديمقراطي
Comments