في ذكرى رحيله العشرين .. بورقيبة واعلاء مفهوم “الشرعية” و “مدنية الدولة”
لطفي زيتون*
تمر اليوم عشرون سنة على غياب الزعيم بورقيبة، وهي مساحة زمنية تسمح بنوع من التقييم للكسب السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي للرجل، الذي ترك بصمته على فترة مهمة من تاريخ البلاد.
هذا التقييم قد يصدر في مقال مطول أو كتاب قريبا، ولكن لا يمنع ذلك من سوق ملاحظة سريعة بالمناسبة حول اهم الإنجازات السياسية للزعيم، وهي نجاحه في ارساء دعائم دولة اتسمت رغم كل الانتقادات التي توجه إليه بخاصيتين، كان لهما دور مقدر في انقاذ الأوضاع والمرور بالبلاد من منطقة الاضطرابات الشديدة:
الخاصية الاولى ، هي ذلك الحس الشديد بموضوع الشرعية في العمل السياسي، وسببه في نظري يعود إلى عاملين، الأول هو التكوين القانوني لبورقيبة، والثاني استيعابه الشديد لتاريخ البلاد التي تعد احد اهم مراكز الإشعاع الدستوري في العالم.
موضوع الشرعية لم يستطع اي حاكم بعده ان يتجاوزها، بمن فيهم هو نفسه وذلك ما يفسر لجوئه الى تغيير الدستور في بداية السبعينات، ليتولى الرئاسة مدى الحياة ، بديلا عن التزوير الدوري للانتخابات الرئاسية، بعد ان اكتشف تغير المزاج الشعبي تجاهه، واهتراء شرعيته النضالية، بفعل طول فترة الحكم.
انقلاب نوفمبر نفسه لم يستطع مقاومة ذلك الحس الراسخ بالشرعية، فلجأ الى اخراج العملية اخراجا دستوريا، وكذلك فعلت النخب السياسية غداة الثورة، ففعلت الفصل 56 ثم بعد يوم واحد الفصل 57 ، ممّا أطلق جدلا دستوريا غريبا في دولة تعيش ثورة بهذا العمق.
وحتى عندما اشتد الصراع سنة 2013 ودعا بعض المحتجين في اعتصام الرحيل إلى محاصرة مؤسسات الدولة وقلب نظام الحكم عبر الشارع والعصيان المدني، رفض الشق الدستوري المنتسب الى البورقيبية بزعامة الباجي قايد السبسي، المشاركة في عملية محاصرة الولايات والمعتمديات، متمسكا بالشرعية مهما كان اختلافه معها ، وانسحب من الاحتجاج لينخرط في مسار التوافق الذي انقذ البلاد مرة أخرى.
الخاصية الثانية، للدولة التي ارساها بورقيبة، هي الحرص على مدنية الدولة ، من خلال النأي بالمؤسسة العسكرية عن التجاذبات السياسية، ممّا جعل كل الدعوات والتوسلات التي اطلقها المتضررون من الثورة ومن عملية الانتقال الديموقراطي للمؤسسة بالانقضاض على الحكم والغاء التجربة تسقط في آذان صماء صائمة عن التدخل في الصراعات.
انطلاقا من وعي وقناعة راسخة بأنه لا تعلي الا مصلحة الوطن وقيم الجمهورية،، وكذلك نسجت على منوالها المؤسسة الامنية التي اكتوت خلال سنوات طويلة بتوظيفها من طرف الديكتاتورية.
فكان أن نأت المؤسستان بنفيهما عن التقاط سلطة كانت مرمية في الشارع في اكثر من مناسب، وهو ما يفسر مستوى الثقة التي تحظى بها هاتان المؤسستان من قبل النخب وكذلك عموم المواطن .
*القيادي في حركة النهضة ووزير الشؤون المحلية
Comments