الجديد

مجتمع منتهي الصلاحية ومفلس قيميّا  

                                                               

شعبان العبيدي                                                                                               

من البرامج التلفزية الّتي مازالت تشدّنا وتؤكّد جديتها وقيمتها الإعلاميّة والكشفيّة للأمراض الخطيرة الّتي تنخر جسد هذا المجتمع وتؤكّد اهتراء شبكته القيميّة برنامج “الحقائق الأربع”، الّذي سلّط الضوء اليوم العاشر من شهر أبريل 2020 على حقائق صادمة في مجتمعنا، وإن كانت ظواهر مستمرّة منذ سنين لم تأخذها الدّولة ولا السلط القضائية والتّشريعيّة على محمل الجدّ والحزم في اجتثاثها. حقائق تدمي القلب وتؤكّد مع كلّ أسف وبكلّ مرارة، صورة مزرية أمام الشعوب من جيراننا وفضائنا العربي والإسلامي والعالمي، وأنّ هذا المجتمع أصبح منتهي الصّلاحيّة ومفلسا أخلاقيا وذلك من خلال الهوّة الفاصلة بين الشّعارات الفضفاضة المتغنيّة بالمدنيّة والحداثة والحرّيات وبين الواقع المزرى في الجوانب التّالية:

أوّلها حوادث الاغتصاب والعنف ضدّ المرأة والفتيات في المدن والأرياف، بشكل أصبح معه الأمر لا يحتمل مزيدا من الصمت والسكوت عن هذه الفئات المنحرفة الّتي تواصل ترويع النّاس وتتشكّل في شكل عصابات متنوّعة الاختصاصات. ولعلّ حادثة اغتصاب الفتاة في هذه المرحلة من الحجر الصحّي، وما تعرّضت له من امتهان وإذلال و قتل لحياتها وأنوثتها وحقّها في الحياة هو من العار والفضيحة على الدّولة الّتي تعتبر نفسها حامية لحياة الأفراد وعارا على كلّ منظّمات المجتمع المدنيّ و المدافعين عن الحريّات و على السلط التّشريعيّة الّتي جعلت قوانينها تسمح لأمثال هؤلاء بالعربدة و الاعتداء على حرّيات وأجساد الأفراد والعائلات وقيم المجتمع ولذلك اعتبرناه مجتمعا منتهي الصلاحيّة لأنّه في الوقت الّي كان فيه رائدا في الدّفاع عن حريّة المرأة وحقوقها، لا يحرّك ساكنا أمام هذه العمليات الوحشية الحيوانية.

ثانيا هو مجتمع منتهي الصلاحية، لأنّه أفرغ من كلّ قيمه و أعرافه، ودور الأسر والعائلات، الّتي نرى بعضها تنتهي وظيفها عند حدود الإنجاب، ثمّ تطلق أيادي أبنائها للانحراف والإجرام بكلّ برود ودون مسؤولية، هو مجتمع مفلس أخلاقيا تجسّد إفلاسه القيمي والعقائدي والإنساني في مظاهر الاعتراض على دفن موتى وباء كورونا في مقابرهم، وهم يعلمون قيمة إكرام الميت و التعاطف مع أهله ومواساتهم، ويخرج بعضهم من نساء كما كشفت التسجيلات يحرّضن على التصدّي للأمن ومنع عملية دفن امرأة في المقبرة بجهة بنزرت، أو من خلال ما نقله التّسجيل من تجمّع أطفال صغار وتآمرهم على رشق رجال الأمن بالحجارة.

وهذا دليل آخر على أنّ هذه العائلات والجماعات وبعض النّافذين في الجهات لا يمكنهم أن يساهموا في بناء مجتمع مدني متماسك، فماذا سيمرّون لأبنائهم غير الحقد والفوضى والإجرام. فماذا سيكون موقف هؤلاء يوم يبعث اللّه من في القبور. فاستعيدوا قوله تعالى (قُتل الإنسان ما أكفره، من أيّ شيء خلقه، من نطفة خلقه فقدّره، ثمّ السّبيل يسّره، ثمّ أماته فأقبره) فتذكّروا الموت، وتذكّروا أنّ هذا الوباء يمكن أن يصيب أي واحد منّا، فكيف سيكون موقفكم عندها؟

ثالثا هو مجتمع منتهي الصّلاحية أخلاقيا وإنسانيا عند فئة منه لا تتورع عن تحوّيل مصائب النّاس إلى سبل للإثراء، وتقلب الجوائح والمصائب إلى مداخل للتّهريب وجلب البضائع الفاسدة لترويجها بين أهلهم وذويهم، ولا يهمّ هؤلاء إن كانت تلك البضائع الطبيّة المنتهيّة الصلاحية أو الغذائية أو الكمالية أو المخدّرات تهدم المجتمع وتزرع فيه الأمراض وتزيد مآسيه مآسي أخرى، ولم لكلّ هذا؟ الغاية هي الرّبح السّهل تحت شعار الغاب الغاية تبرّر الوسيلة.

رابعا هو مجتمع فقد صلاحيته، و ضربت فيه الخرافة ضرباتها، منذ أن تكاثرت مكاتب العراّفين و الدجّالين والمحتالين، لتتفاقم اليوم، ويصبح الجهلة والأميّون و المجرمون تحت أقنعة الإلهام الإلهي و الجنّي و الرّؤى والنبوءات الزائفة مرتعا للاحتيال و تعريض أرواح النّاس للخطر، والعمل في شكل عصابات تروّج لأوهام ومهازل مضحكة، تشوّه صورتنا عالميا، حين نسمع أنّ هذا يبيع دواء كورونا والآخر يخلط دواء الكلوروكين بأدوية أخرى وأعشاب ويقدّمها للنّاس، فنحن فعلا مجتمع انتهت صلاحيته، بعد أن أصبح الإرهابي يقتل ويسند فعله للإلهام الربّانيّ والدّجال يحتال ويسرق أموال النّاس وأرواحهم تحت قناع المعطية الإلهية، بعد أن فقدنا قيمة العلم و التربية العقلانية الّتي أسستها دولة الاستقلال.

إنّ حرب المجتمع الواعي، المؤمن بهذا الوطن وحقوق الأفراد فيه اليوم ليست ضدّ الفيروس فحسب، وليست حرب الدّولة فحسب، بل هي حرب لا بدّ أن تخوضها كلّ السلطات التشريعيّة والتنفيذية  والقضائية، وكلّ المنظّمات ضدّ هذه الأوبئة الّتي تفتك بنا أكثر من الأوبئة الطبيعيّة.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

There are 2 comments for this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP