الجديد

رمضان و الوعي بالزمن .. دار لقمان على حالها

هشام الحاجي

يمكن اعتبار شهر رمضان “سيد الأشهر ” في التقويم الهجري، و الروزنامة التي يستند إليها المسلمون، في تحديد واحدة من أركان دينهم . و رمضان يرتبط بممارسة شعيرة لها مكانتها المتميزة، بوصفها إلى جانب الصلاة من شروط صحة إسلام المرء، و هما الفرضان اللذان لا ترتبط ممارستهما بالاستطاعة المادية.

و لفريضة الصيام ابعادا “تربوية” لأن الشعائر في كل دين لا تخلو من هدف “تربية الجنس البشري” على حد تعبير الفلاسفة ، الذين درسوا الأديان علاوة على أن فرض الصيام على المسلمين و المسلمات يهدف إلى تنمية عدة قيم.

و قد حفل شهر رمضان بإنجازات حققها المسلمون سواء زمن الإسلام الأول او في العصر الحديث إذ لا ننسى أن الحرب النظامية التي كسبها العرب ضد الكيان الصهيوني كانت في رمضان 1973.

و هذا يعني أن من بين أهداف فرض الصيام شهرا كاملا تنمية وعي باهمية الوعي بالزمن في حركته و تطوره و نزوعه نحو الأفضل.

و إذا كانت الكورونا ثمثل الحدث المستجد بالنسبة لرمضان لهذا العام، فإن واقع المسلمين يبرز وعيا ضعيفا بالزمن و تبنيا لما يمكن اعتباره “وعيا دائريا ” بالزمن، إذ تتناسل الأعوام و تتغير أرقامها و تتوالى الأجيال دون أن تشهد المجتمعات تغيرا حقيقيا في علاقتها بالزمن، و بالاشكاليات التي تواجهها مجتمعاتنا.

يمكن إستعادة أهم “مشاغل المجتمع التونسي ” في علاقته بشهر رمضان منذ ثلاثين عاما إلى حد الآن للوقوف على بعض مظاهر “الزمن الدائري “.

يرتبط شهر رمضان بتداول خطابين متناقضين أحدهما يركز على ضرورة التقشف و التحكم في النزوع نحو الاستهلاك، و ثانيهما تروج له السلطة السياسية و تطمئن فيه “شعبها” بأنها قد ” وفرت مخزونا إستراتيجيا “، من المواد التي يقع التهافت عليها خلال شهر رمضان.

تغيرت الأنظمة و انخرطنا في لعبة التداول على السلطة، دون أن ننجح في إحداث تغيير و لو جزئي في العادات الغذائية للتونسيين في شهر رمضان، و تداول على المسؤولية وزراء من مشارب أيديولوجية مختلفة ،دون أن يعني ذلك ” ابتكار ” عبارات أخرى تعوض عبارة “المخزون الاستراتيجي من السلع ” الممجوجة.

كذلك غالبا ما يطرح شهر رمضان مسألة الحرية الشخصية في علاقة بعدم ممارسة الصيام ، و رغم الانتقال من جمهورية إلى أخرى و تعويض دستور بآخر يعتبر في علاقة بالحريات أكثر تحررا ، فإن منطق التعامل مع ” المفطرين” لم يتغير إذ يتهمهم معارضوهم بانهم “يستفزون مشاعرهم و يسيؤون للدين ” .

ليس المراد هنا الانخراط في هذه “المعركة”، التي ” لطفت” الكورونا من خلال ما فرضته من إغلاق للمقاهي و المطاعم من حدتها، و لكن ما يلفت الإنتباه أن مفردات خطاب الفريقين لم تتغير منذ عقود، إذ تضع شعارات ” الحرية و كونية حقوق الإنسان ” في مواجهة شعارات ” حماية الدين و الاخلاق و الإسلام ” ، دون أن يكون هناك إنتاج لخطاب جديد او لمعرفة قادرة على تطوير النظر للأشياء.

يبدو الأمر أقرب إلى “صراع سلفيتين ” ، واحدة ذات غلاف ديني و الأخرى ذات غلاف حداثي، و لكن كلاهما يستهلك ما انتجه الآخرون، أكثر مما يسعى لإنتاج مضامين جديدة تتفاعل مع السير إلى الأمام بالزمن.

كذلك لا يخلو شهر رمضان من جدل غير مثمر حول الإنتاج الدرامي، الذي يقع استهلاكه في شهر رمضان. تتكرر نفس المفردات مع مفارقة لافتة تتمثل في أن المسلسلات التي يتجند الناس لرفضها هي التي تحقق أعلى نسب المشاهدة، و يتهافت عليها المستشهرون ، و هو ما يعني من بين ما يعني ان التمسك في الظاهر بالأخلاق، لا يمنع في عدة مناسبات من إتيان بعض الممارسات التي لا علاقة بها نظريا .

مع شهر رمضان و إلى أن الجدل غالبا ما يؤدي إلى تغييب الفعل و يبقي الوعي بالزمن مغلقا و دائريا.

هشام الحاجي

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP