الجديد

العنف هذا “الوباء” الذي يتهدد مجتمعنا

هشام الحاجي

تساوق الحجر الصحي مع تنامي ممارسة العنف في الفضاء المنزلي، هذه الظاهرة المرفوضة من الناحية القيمية، و التي عمت أغلب المجتمعات، تطرح عدة تساؤلات تختلف في بعض جوانبها من مجتمع إلى آخر.

و بما أن العنف هو ممارسة اطلاقية، تمثل دليلا على انعدام الفهم و القدرة على الحوار و العجز عن التنسيب، فإنه من الضروري تجنب المقاربة ” الاطلاقية ”

لا يخلو مجتمع من السلوك العنيف و المتطرف، و العنف درجات و أنواع و لكنه في جوهره نفي للذي يستهدفه و إلغاء لجوانب من شخصيته، و هو شكل من أشكال فرض “دوغمائية ” سلوكية و فكرية على من يكون ضحيته.

و من المفارقات في علاقة العنف بالمجتمع التونسي، أن “الصورة ” التي يحملها التونسي عن نفسه هي صورة “ملائكية “، إذ يعتبر نفسه نموذجا للتسامح و لنبذ التطرف و لمعاداة العنف.

لكن العديد من الوقائع تنسف هذه الصورة، او على الأقل تفتح باب الشك فيها. ذلك أن العنف اللفظي يكاد يكون ” استثناءا تونسيا” ، لا نجد له شبيها في مجتمعات أخرى. و يمكن اعتبارنا من أكثر المجتمعات ” انتاجا و تصديرا ” للمتطرفين و الارهابيين .

قد تكون المفارقة بين الصورة المثالية للذات الجماعية و معطيات الواقع المدخل لمحاولة تفسير بعض إنتشار العنف. ذلك أن الصورة النمطية التي تقدم شعبا فريدا لا يكاد يظاهى و الذي يفوق الشعوب التي يفترض أن ينتمي إليها كالشعوب العربية و الأفريقية يصيبه الواقع بما يمكن اعتباره ” جرحا نرجسيا ” لان الواقع يحيله إلى وضع مأزوم و إلى تتالي الخيبات و الفشل.

و قد عمقت الثورة الاتصالية من ارتباك الشخصية التونسية التي ظلت ثابتة في عالم متحرك خاصة و أن الثورة الاتصالية قد أظهرت محدودية الزاد المعرفي لقطاعات واسعة من التونسيين و التونسيات فلم يجدوا للبروز في الفضاء الافتراضي إلا العنف اللفظي.

و من العوامل التي تفسر إنتشار العنف في المجتمع التونسي، إنتشار ثقافة ” المجموعات الفرعية ” على حساب ثقافة الإنتماء الوطني. فالحزب أهم من الوطن و الجهة لها الأولوية على البلد و القطاع قبل المجتمع و المجموعة الرياضية تتجاوز في أهميتها المجتمع.

هذه الثقافة ” الانشطارية” تكثر من الأعداء الوهميين و تؤدي إلى ” تبرير” ممارسة العنف الجسدي و اللفظي ضد من لا ينتمي لدوائر الإنتماء الضيقة. هناك عامل آخر يفسر العنف و هو ضعف المؤسسات الادماجية إذ تشكو مؤسسة الزواج من تنامي ظاهرة الطلاق و أصبح التسرب المدرسي طاغيا على الحياة المدرسية و تبقى البطالة معضلة مرشحة للتنامي.

يضاف إلى ذلك عجز الأحزاب السياسية عن التأطير والإدماج و عن بلورة خطاب يتعالى عن الجزئيات و الصراعات الوهمية، و عن تقديم صورة لاب جماعي يعوض موت الاب إذ تبدو الأجيال الجديدة فاقدة للقدوة و المثال، الذي يمنح حياتها معنى و يبعدها عن فقدان المعنى الذي يفتح أبواب العنف على مصراعيها.

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP