الجديد

منذر بالضيافي

الرفع التدريجي (الموجه)  للحجر .. “ضرورة” أم “مقامرة”؟

منذر بالضيافي

مثلما سبق وأن أعلنت الحكومة، تم اليوم 4 ماي 2020 ، الشروع في الرفع التدريجي للحجر الصحي، أو ما أطلقت عليه الحكومة “الحجر الصحي الموجه”، وذلك وسط تباينات داخل الرأي العام، فهناك من يعتبر ما أقدمت عليه الحكومة خطوة ضرورية، لاستعادة جزء من النشاط الحياتي وخاصة الاقتصادي، وكذلك لتخفيف حجم الضغوطات المسلطة عليها، وهناك من يعتبر أن “الحالة الوبائية” غير معلومة ومن السابق لأوانه الرفع – ولو التدريجي-  للحجر الصحي، مشيرين الى أنه قرار يرتقي لمرتبة “المقامرة”، ويستشهد أصحاب هذا الراي  بحصول “نكسات” في تجارب سابقة ، لدول رفعت الحجر فتصاعدت العدوى وعادت للتراجع عنه بسرعة.

في الواقع، فان هذه الأزمة المستجدة التي أدخلها وباء الكورونا على كل دول العالم، كشفت عن هشاشة الانسانية في مواجهة الأوبئة، ولعل هذا ما يفسر غياب الحلول باستثناء اللجوء الى تقليد معمول به تاريخيا للحد من انتشار الأوبئة، ويتمثل في اقرار العزلة أو الحجر ، وهو ما تم اعتماده مع وباء الكورونا، لكن حجم الخسائر التي خلفها بالأساس على الاقتصاد، وعلى بقية المجالات الأخرى الاجتماعية والنفسية، فرض التفكير في تعديله وأنه ليس الحل لمقاومة الوباء، فكان التفكير بإعداد العدة للخروج من السجن الكبير، الذي فرضه الوباء على العالم، وأنه لا خيار لاستمرار الحياة، الا عبر “التعايش” مع الوباء، في انتظار توفير لقاح للقضاء عليه، وهنا لا يمكن لبلادنا أن تخرج عن هذا التفكير أو هذا الخيار، ولعل الحالة التونسية تفرض أكثر من غيرها التسريع بذلك، بالنظر الى الوضع الاقتصادي “الهش” حتى لا نقول المنهار، والذي سيزيد الوباء في تعميقه وبالتالي سيكون له تداعيات مهددة لاستقرار البلاد.

ان ضرورات الواقع هي التي فرضت على الحكومة برمج الخروج التدريجي من الحجر الشامل، وليست نتيجة ضغط  من أرباب العمل فقط، بل أيضا – وهذا أهم – من أصحاب المهن الصغرى والذين يشتغلون في قطاعات غير مهيكلة والذين توقف “مصدر رزقهم” وبقوا في العراء، دون مداخيل تؤمن استمرار حياتهم ودون معونة مرتقبة من الدولة، وهؤلاء عددهم كبير جدا واستمرار ابقائهم في الحجر ستكون له عواقب قد تكون أكثر من الوباء، خصوصا وسط تصاعد المطالب الداعية للاحتجاج، وهي ظاهرة لا يمكن تهويلها ولا أيضا “شيطنتها” بل المطلوب “تفهمها”، فهي قاسم مشترك بين عديد دول العالم، بما في ذلك الدول الغنية، التي توعد فيها المحتجون بوضع السلطات في “الحجر”، مثلما نقلت ذلك وسائل الاعلام الفرنسي، عن صفحات الحراك الاحتجاجي على مواقع التواصل الاجتماعي.

الرفع التدريجي للحجر في تونس، يحيلنا للتطرق  الى استراتيجية الحكومة في التعاطي مع وباء الكورونا فيروس (الكوفيد 19)، والتي يمكن القول اجمالا أنها كانت لحد الأن “موفقة”، والتي بدأت مع الحكومة المتخلية ، وقادتها وزير الصحة السابقة الدكتورة سنية بالشيخ، التي وفرت أرضية ملائمة بنت عليها حكومة الفخفاخ، وقادها  الوزير عبد اللطيف المكي، الذي وان حاول وضع “بصمة” خاصة به،  فان عمله لا يعدو أن يكون الا استمرارا لما سبقه، بنفس المنهجية مع ادخال بعض التعديلات وأيضا بنفس الفريق، وهذا أمر ايجابي ولابد أن يستمر ويرسخ،  لأنه يعبر عن استمرارية الدولة والمرفق العام خاصة.

يأتي الشروع في الحجر الموجه،  في سياق فيه  الحصيلة على الحرب تعد “موفقة”، وهذا ما يصدقه الواقع، ومثلما هو متعارف عليه فانه العبرة دائما تكون بالنتائج، ولغة الأرقام والاحصائيات وخاصة تلك المتصلة بعدد الوفايات وعدد الموجودين في الانعاش،  وغياب مناطق كثيرة موبوءة، تشير كلها الى وجود “تحكم” و “سيطرة” على الوباء، وبعيدا عن جلد الذات، فان ما تحقق لحد الان يسمح للحكومة باتخاد قرار الرفع التدريجي للحجر.

كما أن “الحالة الوبائية” الحالية، ليست وليدة الصدفة بل أنها تفسر في جانب مهم منها بالإجراءات المتخذة، على غرار التسريع بإقرار الحجر الصحي الشامل، وحملات التوعية المكثفة والتزام قطاعات واسعة من التونسيين، و هذا لا ينفي طبعا وجود العديد من السلبيات، مثل ملف “الكمامات” ونقص “الاختبارات وغياب سياسة اتصالية واضحة المعالم.

يضاف اليها  الهنات التي رافقت تطبيق الاجراءات، التي أعلن عنها رئيس الحكومة يوم اقرار الحجر الصحي الشامل، والتي كشفت عن وجود ارتباك حكومي في التعاطي مع الأزمة المستجدة،  والتي لم تكن الحكومة مستعدة لها، ولعل اخرها “التعديل” في زمن قياسي لمرسوم في علاقة برفع الحجر، تحت ضغط المجتمع المدني ووسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما سيزيد في اضعاف “الموقف الحكومي”، الذي يعاني اصلا من غياب التضامن بين مكوناته، وهو ما اثر سلبا على أدائه في مختلف المجالات.

اليوم، وفي أول يوم من بداية تطبيق “الحجر الصحي الموجه”، أقل ما يمكن التأكيد عليه انه لا يمكن المراهنة فقط على وعي الناس، حيث لا حظنا اهمالا كبيرا لكل شروط الوقاية المفروضة، وكذلك مظاهر عديدة أخرى، تشير الى أن الرفع التدريجي او الموجه سيواجه العديد من الصعوبات في التطبيق قد يحكم عليه بالفشل.

من هنا لابد من توفير الشروط الضرورية التي يجب أن تصاحب الرفع التدريجي للحجر، مثل توفير الكمامات لكل التونسيين وتعميم الات قياس الحرارة، وتقديم تقييم لأسابيع  الحجر الصحي الأربعة وتأثيرها على الوضع العام في البلاد (الصحي، الاقتصادي والاجتماعي)، وأخيرا لما لا يقع الشروع في تعميم الاختبارات، التي ما تزال ضعيفة ، بل أن اللافت للانتباه والمحير، أن عددها في تراجع.

تواجه حكومة الياس الفخفاخ، مع بداية تنفيذ “الاستراتيجية الوطنية للحجر الصحي الموجه”، بداية من اليوم 4 ماي، اختبارا كبيرا سوف يحدد مصيرها وأيضا مستقبل منظومة الحكم برمتها، وهذا ليس من باب المبالغة، بل لقناعة – يدركها الجميع – بأن تونس – مثل بقية دول العالم – تواجه “حربا استثنائية” سيكون لها ما بعدها، وأن الحكومات هي في خط المواجهة الأول وقد تدفع هي الثمن.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP