الجديد

سياسيونا و “التهافت” على الاعلام  .. متى “يشفون” منه ؟

هشام الحاجي

لا يختلف المتابعون في الإشارة إلى أن ما توفر من حرية في التعبير و تداول الكلام يمثل أحد أهم ما تحقق منذ 14 جانفي 2011 إلى حد الآن إن لم يكن الإنجاز الوحيد.

و قد فرض هذا المعطى واقعا جديدا من أهم ملامحه إلى جانب الإقرار بدور الإعلام في تمكين المواطن من المعلومة و ضرورة أن تتمتع بالمصداقية خلق صلة مباشرة بين الناشطين في الفضاء العمومي و المواطنين عبر وسائل الإعلام و خاصة منها المسموعة و المرئية.

هذه الصلة المباشرة لم تتضح قواعد اشتغالها بكيفية تجعلها مثمرة و قادرة على تطوير تجربة ديمقراطية حقيقية في ظل الالتباس في الأدوار و التصورات بين أهم الفاعلين فيها. أصبح الظهور في “البلاتوهات ” هدفا في حد ذاته للكثير من الفاعلين السياسيين بما أدى إلى إرباك كبير في العملية الاتصالية إذ تحول الفاعل السياسي إلى تابع و هو ما جعل الأداة الإعلامية في موقع قوة و ساهم في تغذية نزعة بعض الإعلاميين لفرض الرأي و التحول أحيانا إلى سلطة بلا قيود.

كشف هذا الوضع المرتبك عن نهم مرضي لدى بعض السياسيين للظهور و هو نهم يحيل بشكل من الأشكال إلى بعض جوانب الشخصية النرجسية التي لا تكل ولا تمل من رؤية ذاتها في المرآة و إلى خلل في تمثل العملية الاتصالية لأن كثرة الظهور توقع بالضرورة في الأخطاء و تحول صاحبها إلى شخصية “مألوفة “.

و حين يغيب الحد الأدنى من “إغراء الغموض ” تنتفي الرغبة في المتابعة و كما أدى المنع من الظهور قبل 14 جانفي 2011 إلى إحاطة بعض الشخصيات بهالة من الغموض التي جعلت ظهورهم في قنوات أجنبية حدثا يجلب الإهتمام تحول ظهورهم المتكرر إلى أمر افقدهم “جاذبيتهم” و أوقعهم في دائرة الشيء المعتاد و “المبتذل ” الذي يزعج أحيانا المتلقي.

تحول الظهور المبالغ فيه في وسائل الإعلام إلى ما يشبه الامتداد لواحدة من سلبيات ثقافتنا التقليدية التي تعوض الفعل بالكلام سواء كان هذا الكلام يتخذ شكل دعاء او تعبير عن أمنية.

تداول عدد كبير من أعضاء حكومات تعاقبت على وسائل الإعلام و تحدثوا عن مشاريع لم تنجز في نهاية الأمر و كان ذلك تعبيرا عن استخفاف بأحد مرتكزات الفكر الديمقراطي و هو الإنجاز و العمل.

و هذا الاستخفاف يعكس إلى جانب سوء تمثل الفلسفة الديمقراطية استخفافا بالوقت و بالجهد لأن عضو حكومة يقضي يومه “لاهثا” وراء وسائل الإعلام و بين مقراتها لن يجد بكل تأكيد ما يكفي من الوقت و التركيز لإدارة جيدة لشؤون وزارته، وذات الشيء ينسحب على “قيادات” الأحزاب التي تحضر في البلاتوهات الاعلامية  أكثر من حضورها في مقرات أحزابها.

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP