الجديد

خالد شوكات يكتب عن الفرق بين: “العثمانيون والأتراك” ؟

خالد شوكات

هناك من لا يعرف الفرق بين العثمانيين والاتراك، ومن هنا مثلا تحميل الدولة التركية المعاصرة مسؤولية كل ما قامت بِه الدولة العثمانية، وهو أمر غير مقبول ولا مسؤول وينم عن جهل كبير بالتاريخ، شبيه مثلا بتحميل العراق مسؤولية الدولة العبّاسية أو تحميل سوريا مسؤولية الدولة الأموية. وهو ما يخالف حال فرنسا في تحميلها مسؤولية الجرائم الاستعمارية،

فالدولة الفرنسية الحالية هي امتداد طبيعي للدولة الفرنسية التي أقيمت بعد الثورة الفرنسية، وما تزال لدى هذه الدولة مستعمرات في ما وراء البحار لم تنل حريتها بعد، رغم مطالبة شعوبها بذلك ككاليدونيا الجديدة وجزيرة مايوت وغيرها،

كما ان المملكة المتحدة هي ذات الدولة منذ قرون وما تزال امبراطورية لا تغيب عنها الشمس الى اليوم وهي مَسؤولة عن جرائمها الاستعمارية المستمرة، وما فلسطين التي جرى اغتصابها بتواطؤ لندن الا حالة فجّة لما يجب ان تعتذر عنه بريطانيا العظمى. أما الخلافة العثمانية فلم تكن دولة تركية، بل كانت تركيا جزء صغيرا من أراضيها المتوزعة على ثلاث قارات هي اسيا واوربا وافريقيا،

كما كان الأتراك جزء صغيرا من مكوّنها السكاني ربما لا يزيد عن العشر، وكان العثمانيون خليطا من الترك والعرب والكرد والألبان والارناؤوط والبوشناق والبلغار والسودان والصومال وشعوب اخرى كثيرة، جميعها كان مساهما في تزويد الجيوش العثمانية بالرجال، والخزينة العثمانية بالاموال، وكان الباب العالي حريصا في فترات كثيرة على تمثيل الشعوب العثمانية في مؤسسات الدولة، وقد شغلت شخصيات من اصول متعددة اعلى المناصب في اسطمبول، من بينهم عثمانيون من البلاد العربية كما كان حال خير الدين باشا الذي دعي من تونس لشغل هذا المنصب في الآستانة.

أما الدولة التركية الحديثة، اي الجمهورية التركية التي أسسها مصطفى كمال اتاتورك سنة 1924، بعد إلغائه السلطنة والخلافة معاً، وما كان يحق له ذلك مثلما أشار الزعيم برقيبة، فقد كانت مشروعا سياسيا جديدا يخالف في اسسه الدولة العثمانية، من حيث اتخاذه بعدا قوميا تركيا خالصا بدل البعد الديني الاسلامي متعدد القوميات والشعوب والإثنيات الذي كانت تقوم عليه الخلافة، ومن حيث اعتماده القانون المدني الاوربي بينما كانت الخلافة العثمانية تعتمد الشريعة الاسلامية مصدرا لقوانينها، فضلا عن اقتصارها على مستوى الإقليم الترابي على اسيا الصغرى، فيما كانت الدولة العثمانية مترامية الأطراف.

ويؤكد المؤرخون ايضا على ان اللغة العثمانية كانت لغة مختلفة عن اللغة التركية الحالية، فقد كانت اللغة العثمانية مزيجا من لغات الاسلام الثلاث الكبرى، العربية والتركية والفارسية، وكانت تكتب بالحرف العربي، بينما اعتمدت اللغة التركية الحالية على الحرف اللاتيني واستعاضت عن الكلمات العربية غالبا بكلمات فرنسية.

ومن المهم في هذا السياق الإشارة الى ان التنازع بين التيارين الاسلامي العثماني والطوراني القومي ما يزال قائما على أشده في سياق النظام السياسي التركي المعاصر، ولئن تمكن التيار العثماني، اي التيار العامل على احياء الرابطة العثمانية، من الانتصار الانتخابي والتمكن من الحكم، فان ذلك لا يعني البتة تحول الدولة التركية الى ذات الدولة العثمانية، فهذا الامر يقتضي اكثر بكثير من مجرد تمكن حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الاسلامية العثمانية من حكم الجمهورية التركية،

تماما كالقول بان تمكن حركة الشعب في تونس من الحكم لا يعني بالضرورة قيام الدولة العربية الموحدة. إن التوجه العثماني المعاصر هو خيار ايديولوجي وسياسي وتصور لموقع تركيا او غيرها في منطقتها. وهو توجه نافس التوجه الكلاسيكي للدولة التركية المعاصرة الذي اتسم بحرص شديد على الانتماء الاوربي، دون ان يقابل بذات الحرص من الجانب الاوربي،

وهو امر برر لدى كثير من الأتراك العثمانيين ضرورة السير في اتجاه مختلف، حيث العمق الاستراتيجي لتركيا، اي العمق العثماني القديم. ان الذين حرروا تونس من الغزو الإسباني المسيحي هم العثمانيون وليسوا الأتراك، وكانت دوافع الفاتحين العثمانيين حينها الدفاع عن اخر قلاع الأندلس الاسلامية، وكانت تحركاتهم في الحوض الغربي للمتوسط تنطلق من هذا الواجب في حماية المسلمين من غزو الصليبيين.

والفتح العثماني لتونس او الجزائر او ليبيا، لم ينظر اليه يوما من قبل شعوب هذه البلدان باعتباره غزوا او احتلالا او استعمارا لانه ليس له من هذه المظاهر شيئاً، حيث لم تفرض لغة اخرى او هوية مغايرة على تلك التي ألفها الناس من قبل. ولقد نهضت جميع الحركات التي قاومت الاستعمار الغربي (الفرنسي والايطالي والإسباني) في الجزائر وتونس وليبيا بشعارات ترفع الراية العثمانية وتذود عنها.

ولئن اكتفت بعض النخب بالدائرة الوطنية الضيقة كمجال للتفكير، فان من حق نخب اخرى ان تحلم باحياء دوائر اكبر واهم من قبيل الدائرة العثمانية، فالتفكير في اعادة بناء الرابطة العثمانية باعتبارها جزء هاما من حركة التعاون الاسلامي، فذلك يجب ان يكون مدعاة للفخر والاعتزاز، بل ان ذلك هو المطلوب بعينه في ظل اقتصاد عالمي لم يعد يمنح للصغار مكانا او قيمة.

فالرابطة العثمانية حق لشعوبها مثلما كانت الرابطة الأوربية حقا لشعوبها. لكن الدولة العثمانية المجهولة مثلما هو عنوان الكتاب المشهور لصديقي الدكتور احمد اقندوز، تجعل نخب المسخ الثقافي في حال استعداد لقول اي شيء حتى وان كان ترديد المغالطات.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP