الجديد

التنظيم السري والمساواة في الميراث.. كمائن السبسي وأصابع النهضة

بقلم: عثمان لحياني (صحفي جزائري)
يجد الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، في الظروف والتطورات السياسية الراهنة في تونس، التوقيت المناسب للدفع بقانون المساواة في الميراث الى مجلس النواب،  والهدف هذه المرة، يبدو بوضوح محددا في اتجاه “كمين سياسي” يستهدف الامساك بأصابع حركة “النهضة” الاسلامية، عبر الاقتراب من أكثر النقاط لها في الداخل والخارج.
بالنسبة للأغلبية الغالبة من التونسيين، لا يمثل قانون الميراث في الوقت الحالي أية أولوية سياسية واجتماعية، مقارنة بأولويات واستحقاقات اجتماعية أكثر أهمية للتونسيين، في الوقت الحالي، لكن اللافت أن اقدام الرئيس السبسي على الدفع به في هذا التوقيت، ليس  لأمر يتعلق بتنفيذ أبرز وعوده الانتخابية، التي قدمها للنساء التونسيات في عام 2014 ، بقدر ما يستهدف احراج حركة “النهضة” ووضعها في مواجهة مباشرة مع القوى الحداثية المدنية والسياسية المؤثرة في الداخل والرأي العام التونسي ، كما في الموقف الغربي ، ووضعها ( النهضة )أيضا على محك امتحان جدي أمام القوى الغربية والاقليمية،  التي سبق و أن أبدت حالة تحمس وقبول للتحولات والمراجعات،  التي أقرتها حركة النهضة في خطها وأدبياتها السياسية. فهل ستقبل النهضة بمشروع قانون المساواة بشكله الحالي؟
أكثر من ذلك يبدو الرئيس السبسي،  بصدد استدعاء بعضا من حبكته السياسية التي تراكمت من تجارب سابقة، في المشاركة في دواليب الدولة من عهد الرئيس بورقيبة ، لإحداث شق داخل صفوف النهضة نفسها ، عبر نقل مشروع قانون المساواة  في الميراث الى ساحة مجلس النواب ، وهو المشرع الذي كان قد لقى اعتراضا كبيرا من كوادر وقواعد الحركة ، ما من شأنه ، وفي حال غضت كتلة الحركة ورئيسها راشد الغنوشي النظر عن مسودة القانون ، فان ذلك سيفرز حالة صدام داخل النهضة نفسها، وهو ما يفسر محاولات الحركة اثناء حليفها السابق عن طرح هكذا قضايا خلافية.
بنقل السبسي مسودة قانون الميراث الى مجلس النواب ، يكون الرئيس الذي يقاوم محاولات عزله  سياسيا ،بصدد وضع حواجز ودق مسامير الخلاف السياسي بين حركة النهضة وحلفائها السياسيين ، ككتلة الائتلاف الوطني التي يقودها رئيس الحكومة يوسف الشاهد وتمثل النواة الأولى لمشروع حزبه السياسي ، وكذا حزب مشروع تونس الذي تراجع عن مواقفه السياسية السابقة المناوئة لحركة النهضة وقبوله المشاركة معها في الحكومة الجديدة، اذ تمثل قضية المرأة والمساواة خطا فارقا في الموقف بين حركة النهضة ، وبين حلفائها الديمقراطيين والحداثيين، الذين يعتبرون ذلك رأس مالهم السياسي.
لا ينفصل مجمل ما سبق عن اعادة استدعاء لافت للجدل السياسي في تونس حول اتهام حركة النهضة بالمسؤولية عن الاغتيالات السياسية التي حدثت في تونس عام 2013 ، وطرح ملفات ووثائق عن ما يعتقد انه ” تنظيم سري” يتبع حركة النهضة ، ويبدو تركيز أكثر من طرف سياسي واعلامي على هذا الملف ضمن سياقات محاولة اعادة رسم صورة حركة النهضة محليا واقليميا ودوليا ، ولمحاولة عزلها من جديد في الداخل والخارج.
يمكن في السياق رصد وملاحظة قبول الرئيس السبسي استضافة تونس لولي العهد السعودي محمد بن سلمان ،والذي يمكن أن يمثل أيضا احراجا للنهضة في علاقة بمواقفها من المحور السعودي ، خاصة بعد التصريحات المثيرة التي أطلقها رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي قبل أسبوعين قال فيها ان التداعيات الاقليمية لمقتل الصحافي جمال خاشقجي ، شبيهة بالتداعيات الاقليمية التي خلفتها حادثة وفاة محمد البوعزيزي في تونس.
من المبكر الحكم على مدى قدرة السبسي وحلفائه على اقناع مجمل الأطراف المحلية والدولية بالتقليص من أهمية وجود النهضة كفاعل رئيس في المشهد السياسي، وفي اتقان نصب الكمين السياسي هذه المرة ، لكن الأمر يرتبط أيضا بمدى قدرة حركة النهضة على الرقص على الأصابع، وفي القدرة على تطويع مواقفها وايجاد منافذ للخروج من مأزق سياسي ملتبس على أكثر من صعيد.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP