الجديد

تونس تخسر مكانتها الإقليمية بشكل غير مسبوق !؟

عماد بن عبدالله السديري

تُقاس مكانة الدول ووزنها إقليميا ودوليا من خلال مؤشرات تنموية كثيرة، لعل أهمها المؤشرات ذات الصبغة الاقتصادية. فالشعوب المزدهرة هي الشعوب التي تنجح في تحقيق أداء تنموي مرتفع يؤهلها لاعتلاء مكانة بارزة في العالم ولعب دور إقليمي ودولي يمكّنها من الدفاع عن مصالحها وتعزيز موقعها..

ومن بين هذه المؤشرات الأساسية التي يمكن الاعتماد عليها لقياس مكانة الشعوب تبرز تلكم المتعلقة بحجم الناتج المحلي الإجمالي والدخل الفردي السنوي من الناتج المحلي الإجمالي وحجم الصادرات ومعدلات التداين الخارجي.. وبطبيعة الحال، فإن الدول مهما كانت طبيعة الأواصر التي تجمع بينها تمثل في جوهرها كيانات مستقلة تتنافس على المستويين الإقليمي والدولي لإيجاد أسواق جديدة وفتح آفاق أكثر أمام منتجاتها لتزيد عوائدها وأرباحها والضرائب المترتبة عنها. والمتابع للشأنين التونسي والإقليمي في السنوات الأخيرة يكتشف لا محالة أن بلادنا قد تراجعت بشكل غير مسبوق مقارنة بدول قريبة منا مثل المملكة المغربية أو جمهورية مصر العربية بعد أن كنا لسنوات طويلة نتفوق عليها في معظم المؤشرات الاقتصادية. فجأة انقلب تفوّقنا إلى تخلف تنموي موثق. بل من خلال الاطلاع المعمق على بعض التقارير الدولية ذات الدقة العالية يتبين أن الفجوة التنموية التي تفصلنا عن المملكة المغربية وجمهورية مصر العربية، على سبيل المثال، ستزداد بشكل لافت خلال السنوات القادمة.. وهو أمر يستوجب الانتباه إليه والعمل على تجاوزه بالجدية والمسؤولية اللازمتين وبعيدا عن جميع الحسابات السياسوية الضيقة، إذ إن تداعياته الإستراتيجية على بلادنا لن تكون جيدة على جميع المستويات.

من بين أهم المؤشرات التي تؤكد أن تونس بصدد التراجع وفقدان مكانتها الإقليمية يبرز المؤشر الخاص بالدخل الفردي السنوي من الناتج المحلي الإجمالي. ففي العام 2008 بلغ حجم الدخل الفردي للمواطن التونسي، بحسب قاعدة بيانات البنك الدولي، 4307 دولار أمريكي. أما الدخل الفردي السنوي للمواطن المغربي فقد بلغ 2890 دولار أمريكي، أي بفارق يقارب 1500 دولار أمريكي لصالح المواطن التونسي. وقتها كان البنك الدولي يصنّف تونس ضمن فئة الدول ذات الدخل المتوسط المرتفع، في حين كانت المملكة المغربية تصنف ضمن فئة الدول ذات الدخل المتوسط المتدني. إلا إن التخبط الذي عاشته بلادنا في السنوات الأخيرة قد جعلنا نفقد الكثير والكثير، حيث تهاوى الدخل الفردي للمواطن التونسي من 4307 دولار أمريكي في العام 2008 إلى 3317 دولار أمريكي في العام 2019، في الوقت الذي سجل فيه الدخل الفردي للمواطن المغربي تحسنا هاما.

والخطير في كل هذا أن صندوق النقد الدولي قد وثّق في هذا العام 2020 أنه بحلول العام 2025 سيبلغ حجم الدخل الفردي للمواطن التونسي 3565 دولار أمريكي، مقابل 4557 دولار أمريكي للمواطن المغربي. وهو ما يعني عمليا أن المواطن التونسي لن ينجح في استعادة وضعه الذي كان عليه منذ حوالي 20 سنة، في حين سيحقق المواطن المغربي قفزة تنموية في غاية الأهمية، إذ من المتوقع أن تتحسن رواتب الموظفين المغاربة ومقدرتهم الشرائية وقدرة بلادهم على تعبئة الموارد المالية اللازمة لتعزيز جهودها التنموية. أما المواطن التونسي، بحسب توقعات صندوق النقد الدولي، فينبغي أن يستعد جيدا لمزيد من الإحباط التنموي والفقر المادي.

وبالإضافة إلى تراجع الدخل الفردي السنوي للمواطن التونسي، مقابل الارتفاع المضطرد في دخل المواطن المغربي، ستستمر معدلات العمل والإنتاج في التقهقر في تونس في السنوات القادمة، مقارنة بما يحصل في المملكة المغربية.

هذا التراجع الموثّق في حجم العمل والإنتاج يتضح بشكل جلي من خلال تهاوي حجم الصادرات التونسية وارتفاع حجم الهوة التي تفصلنا عن المملكة المغربية في هذا الصدد. ففي العام 2010 بلغ حجم الصادرات التونسية من البضائع والخدمات 22.1 مليار دولار أمريكي. أما حجم الصادرات المغربية في ذات العام فقد بلغ 27.04 مليار دولار أمريكي، أي بفارق بسيط يقارب 5 مليار دولار أمريكي لا غير عن تونس.. وفي العام 2019 تراجع حجم الصادرات التونسية إلى 19.41 مليار دولار أمريكي، في الوقت الذي ارتفع فيه حجم الصادرات المغربية إلى 44.03 مليار دولار أمريكي، أي بفارق يقارب 25 مليار دولار أمريكي، بعد أن كان في حدود 5 مليار دولار أمريكي لا غير في العام 2010.

وبحسب بيانات وتوقعات نشرها صندوق النقد الدولي خلال هذا العام 2020، فإن حجم الصادرات التونسية سيستمر في التراجع ليصل إلى 18.723 مليار دولار أمريكي مع نهاية العام 2025. أما حجم الصادرات المغربية من البضائع والخدمات، فمن المتوقع أن يبلغ حوالي 70مليار دولار أمريكي، وهو ما يعني أن الفجوة (المرتبطة بالإنتاج والتصدير) التي ستفصلنا عن المملكة المغربية في العام 2025 سترتفع إلى حوالي 52 مليار دولار أمريكي، أي 10 أضعاف ما كانت عليه في العام 2010.

وارتفاع حجم الصادرات المغربية على هذه الشاكلة المتوقعة يؤكد تحوّل المملكة المغربية إلى قوة اقتصادية إقليمية يحسب لها ألف حساب، في الوقت الذي ستنكمش فيه تونس وتتراجع على جميع الأصعدة. وهو ما يوثّقه حجم النتاج المحلي الإجمالي لكلا البلدين بحلول العام 2025 كما يوثقه صندوق النقد الدولي. فمن المتوقع ألا يتجاوز حجم الناتج المحلي الإجمالي لتونس 44 مليار دولار أمريكي مع نهاية العام 2025، في حين يتوقّع أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للملكة المغربية 170 مليار دولار أمريكي. أما الناتج المحلي لجمهورية مصر العربية، فمن المتوقع أن يقفز إلى 400 مليار دولار أمريكي إذا استمرت مصر في تحقيق نسب نمو سنوية جيدة تفوق 5% خلال الأعوام القادمة، وهو أمر متوقع بحسب ما نشره صندوق النقد الدولي في شهر أكتوبر من العام 2019.

وبالإضافة إلى تراجع ثروة المواطن التونسي وتقلص معدلات العمل والإنتاج وانكماش الاقتصاد التونسي، مقابل صعود متزايد وملحوظ لبعض الدول المجاورة، ستستمر معاناة بلادنا خلال السنوات القادمة إذا لم تجد الحلول المناسبة للتعامل مع أزمة ارتفاع الدين الخارجي. فبحسب صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يبلغ إجمالي الدين الخارجي لتونس من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 110% مع نهاية هذا العام 2020. أما في المملكة المغربية فلن يتجاوز 35.12% وفي مصر لن يفوق 31.92% مع نهاية هذا العام. بل من المتوقع أن تستمر حاجة تونس إلى مزيد من التداين الخارجي لتسديد ديونها السابقة وللاستجابة إلى حاجات الميزانية، حيث يقدّر صندوق النقد الدولي أن يبلغ إجمالي الدين الخارجي لتونس من الناتج المحلي الإجمالي حوالي 108% في العام 2021، مقابل 34.56% في المملكة المغربية و32.61% في جمهورية مصر العربية.

لقد خسرت بلادنا الكثير من منظور اقتصادي بحت خلال السنوات الأخيرة. بل إنها اليوم تقف عاجزة تماما عن تجاوز ما أصابها من وهن اقتصادي، وهو عجز لا يؤثر فقط في الظروف المعيشية للمواطن التونسي، بل إنه أيضا يضعف من مكانة تونس على الصعيدين الإقليمي والدولي ويسيء إلى صورتها كثيرا، حيث أصبح السقوط التنموي العلامة المميزة التي تلخّص الوضع العام في بلادنا؛ وهو قطعا واقع لا يليق بنا ولا ينبغي أن نقبل به كشعب تواق إلى الحرية والرفاه ومحب للعمل والإبداع. إن الحفاظ على بلادنا وعلى تجربتها الديمقراطية المميزة يقتضي إيجاد حلول سريعة وذكية ومدروسة حتى تستعيد عافيتها ومكانتها وحتى نتمكّن جميعنا من تحقيق ما نصبو إليه وبخاصة حماية الأجيال القادمة من المخاطر المتزايدة التي نعرّضها لها كل يوم أكثر وأكثر..

عماد بن عبد الله السديري

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP