الجديد

العجمي الوريمي يكتب ل “التونسيون”: “حكومة الفخفاخ التغيير أو الرحيل”

العجمي الوريمي

الرئيس إلياس الفخفاخ رجل عقلاني ومعتدل أي يمتلك القدرة على ادارة الاوضاع بطريقة بعيدة عن ردود الافعال وعن الانفعالات الحادة…
لكن لم يبرهن إلى حد الٱن رغم الوداعة الظاهرية عن حنكة كبيرة في مواجهة المشكلات أو في تجنب الوقوع في المطبات.. الدولة ليست شركة تجارية أو مؤسسة اقتصادية والحكم ليس ادارة بيروقراطية ولكن مع الموهبة السياسية وفن ادارة الأزمات والوضعيات المستجدة لابد من الحذر باحترام الاجراءات والتراتيب والقوانين وحتى الاعراف ..
اتي الرئيس الفخفاخ الى الحكم من تجربة سياسية محترمة وهو يمتلك ثقافة سياسية لاشك وله اختياراته السياسية والإجتماعية خاصة التشبع بالمبادئ الديمقراطية وبقيم العدالة الاجتماعية والمساواة..
فلا يمكن ان نقول أن الرجل ليس له مرجعيات أو ثوابت أو معايير في التصرف وقواعد السلوك ولكنه نحتاج لأن يثبت ان له خبرة بالحكم وبدواليب الدولة ..والمرحلة التي نمر بها وبعد عشر سنوات من الثورة لم يعد مسموحا العمل بقاعدة “بمداومة النجارة تصبح نجارا” فلسنا في مرجلة تعلم خاصة عندما
تطرح الحكومة شعار إعادة الثقة والإنقاذ والإصلاح والإنجاز..
لقد كان اختيار رئيس الجمهورية وهو يدرس ملفات المرشحين لرئاسة الحكومة للسيد الباس الفخفاخ قرارا شجاعا اذ راهن على ان الشخصية الأقدر سياسي شاب ولا ينتمي لرجالات النظام القديم
ولكن هل ترك له الحرية في اختيار مكونات حكومته السياسية ووسع عليه هامش المبادرة بأن منحه فرصة حشد الدعم من الطيف السياسي الفائز بالانتخابات أم أوحى إليه أن لا يمد يد الود ولا يعرض الشراكة الا على طائفة معينة لا تمثل كل المشهد ولا تضمن دعما واسنادا واسعا فوجد نفسه يحمل على عاتقه مهمة الاصلاح والانتعاش الأقتصادي دون أن يوفر لذلك شروطه فكان الحمل أثقل من طاقة تحمل الجسم .. رهان الرئيس تحول الى مجازفة من المكلف ومقامرة بأمانة البناء والاداء.

حكومة ما بعد انتخابات 2019 ينبغي أن تكون الأقوى والأدوم، بالمقارنة مع الحكومات التي سبقتها لكي توفي بوعودها ،وتؤمن غوائل الطريق، وهي لا تستمد قوتها من عدد المصوتين لها لنيل الثقة، لأنها بهذا الاعتبار تكون الأقدر شكليا وإسميا، لا الأقدر سياسيا وهيكليا، لأن من صوتوا لاستعجال نهاية حكومة الشاهد، أو لتفادي الفراغ والمجهول أو لتجنب حل المجلس أو لأجل عدم ارباك رزنامة العمل الحكومي، هؤلاء كلهم لا يمنحون قوة للحكومة، وانما يسهلون فقط ولادتها، بعملية قيصرية.

لذلك حملت حكومة الياس الفخفاخ تشويهات الولادة وتبين انها لا تخلو من عاهات التكوين فخروجها الى الدنيا لا يقيم الدليل على قابليتها للحياة والتطور .. فالحكومة القوية هي التي تتجاوز معضلة عدم حصول الحزب الأول لعدد كاف من المقاعد يمكنه من الحكم وحده كحزب فائز، وذلك بضم قوة الحزب الثاني الى قوته لتكون للحكومة نواة صلبة، مكونة من حزبين اهلتهما الانتخابات للحكم لا للمعارضة.

اذ لا ينتميان للأقلية ولكن لم يمنحهما القانون الانتخابي الفوز الساحق وليس بهما رغبة ليعارض احدهما الٱخر، بعد أن طويت صفحة الحملة الانتخابية وباحت الصناديق بأسرارها، ولكن كان للرئيسين سعيد والفخفاخ رأي ٱخر.

حيث حبذا المزاج “الثوري” والاغلبية العددية، على التجذر الانتخابي والسياسي والقاعدة الاجتماعية،  التي يقاس بها قوة الحكم وحظه في الاستقرار والدوام.

فكانت القاعدة: نحكم لأننا “ثوريين” وليس لأننا الاكثر وزنا وشعبية وتمثيلا وتجذرا ، بل إن العقل السياسي التنفيذي (والرئاسي كجزء منه) طمع في أصوات ائتلاف الكرامة واخرجه من زمرة الثوريين ورضي بأصوات كتلة قلب تونس وتركه على بنك المعارضين.

ولم يشعر في ذلك بأي تناقض وعوض ان يعزز صف داعمية وسع في دائرة معارضيه، لذلك و بمجرد ان فاز بالثقة فقد جزءا منها غير يسير اذ لا يجمع بين الحكومة والمصوتين لها إلا مصلحة ظرفية انتفت بمجرد ان تحققت ومع تحققها وانتفائها بدأ طلب الحساب وتصفية الحساب.

ولم تفلح محاولات ربح الوقت وطلب التفويض للحكم عبر المراسيم وحالة الطوارئ الصحية والاقتصادية والامنية،  في إعفاء الحكومة من المساءلة والمطالبة بالنتائج، حتى اذا تم تحريك ملف شبهة تضارب المصالح.

ليجد الفخفاخ نفسه في الدوامة لا يوجد صديقا يصدقه ولا حليفا يسنده ولا شريكا يدفع عنه سهام المشككين والمعارضين ..

لم يكن ملف شبهة تضارب المصالح السبب الوحيد في إضعاف موقف الفخفاخ وموقعه، بل انه بدأ ضعيفا لأنه أختار منذ تكليفه بتشكيل الحكومة ان يراهن على الزمن، كي يقوي حكومته ويضعف معارضيها، بانقسامهم أو بتقسيمهم واستقطاب بعض اقطابهم والاستفادة من تناقضاتهم وصعوبة اجتماع كلمتهم.

ولكن الزمن لم يكن حليفا للفخفاخ، بل عمل ضده اذ لم يمهله “خصومه” كي يرتب اوضاعه القانونية، اذ تسارعت “حرب” الملفات وانطلق مسلسل المساءلة والمحاسبة، بأدوات القانون وٱليات الرقابة،  ولم يجد شركاؤه في الحكم غير ترك أعمال الرقابة والتحقيق تأخذ مجراها.

وفي انتظار ما ستسفر عنه، وامام عناد الفخفاخ وبسببه، تحول الى عامل احراج للأطراف المكونة لحكومته وعبئا سياسيا واخلاقيا، يكاد يخرجها من التحفظ والتريث، حتى التبين الى مطالبته باستعجال انقاذ حكومته،  وفتح ٱفاق لها قبل أن يضيق عليه الخناق،  ويضطر للخروج من الباب الخلفي، اذ أن الدائنين يقفون على واجهة الباب الأمامي، يستعدون للطرق بقوة للمطالبة بالتغيير أو الرحيل.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP