الجديد

الفتية الذهبيون .. الصدفة وهوس السلطة

خالد شوكات

أتذكّر دائماً، وأُذكّر المهتمّين والمعنيين بتجربة الانتقال الديمقراطي، تفاصيل الحديث الذي دار بيني وبين سي الحبيب الصيد عندما انكشفت خيوط مؤامرة إسقاط أوّل حكومات الجمهورية الثانية وهي في أوج انتصارها على الارهاب واستعدادها لإطلاق مشروعها التنموي. قلت لرئيس الحكومة: دعهم يجمعون 109 نوّاب حتّى يسقطوها، ما داموا هم من يطلبون رأسك، فأجابني: ومن سيدفع ثمن استطالة الأزمة، أليست تونس؟

وذهب سي الحبيب الى البرلمان بعدها طلباً لتجديد الثقة، وهو يعلم أنه لن ينالها مجددا، ولو تركهم يفعلون لما جمعوا المطلوب ابدا، ولاستمرت الحكومة رغم كيد الكائدين، لكن رجل الدولة يمنح مصلحة الوطن الاولوية على كل مصلحة، وهذا هو الفرق بين الحبيب الصيد والفتية الذهبيين الذين تولوا بعده الأمر وبدا لِلنَّاس أنهم مستعدون لفعل أي شيء من أجل أن لا يغادروا، حتّى اقترب الحكم عندهم من منطق “العصابة” لا منطق الدولة والمصلحة العامة.

الان يريد الياس الفخفاخ الفخفاخ ان يكرّر تجربة الشاهد. كلاهما فتى ذهبي جاء للحكم بالصدفة المحضة، ودون اي شرعية تذكر، وكلاهما مدين لرئيس الجمهورية بتوليه رئاسة الحكومة بلا مبررات مقنعة أو خصال متميزة أو سيرة في الوطنية مدهشة.

كلاهما بدأ السياسة بعد الثورة، أي زمن الحرية، فلم يعرف عنهما اهتمام او تسجل لهما مواقف او تعرضا زمن النظام السابق الى مضايقة. كلاهما نشأ في حي راق من احياء العاصمة، ولعائلات ميسورة، من ذوي العيون الزرقاء والبشرة البيضاء الناصعة. وكلاهما لا يملك تفسيرا مقنعاً لماذا تم اختياره من قبل ولي الامر.

كلاهما ايضا مستعد فيما يبدو لارتكاب جميع الحماقات من اجل الحفاظ على هذه اللقمة السائغة التي نزلت عليهما من السماء، وكلاهما احاط نفسه ببطانة لا اظن انها تشجّع حاكما على المغادرة، بل لا يسلم بعض اعضاء هذه البطانة من شبهة التكالب على غنائم السلطة والاستماتة في ذلك.

استبد يوسف الشاهد بالأمر بعد ان عضّ اليد التي ارتفعت به الى اعلى المقامات، وأحاط نفسه بناكر ونكير وسوء التقدير وسوء التدبير، حيث يشير كثيرون الى ان بعضهم فعل ما لم يفعله الطرابلسية، وقد كان الرهان ان يصل الرجل الى منصب رئاسة الجمهورية، فاستبيحت لذلك موارد الدولة، وسخرت جميع الوسائل حتى تتحقق الغاية، لكن لم تجر الرياح كما اشتهت السفن، وما خفي من فساد القوم لَعَلَّه أعظم..

وستكشفه الأيام القادمة حتما. أما الفخفاخ فيبدو انه جاء الى السلطة وهو مستبق الآثام، وما كان قد حسب حساب الأيام، ولعل أسوأ ما يمكن ان يقع فيه المرء أن يقول ما لا يفعل وان يأمر الناس بالبر وينسى نفسه، وها هو محيطه يشجعه على مغامرة غير محمودة كان يمكنه ان يجنِب البلاد والديمقراطية تبعاتها، وقد اختار لو يعلم الطريق الاصعب، طريق العناد والهروب الى الامام، وبدل الاستقالة او طلب تجديد الثقة من البرلمان، وقد تصوّر ان بمقدوره مواصلة الحكم وهو مدان، فانطباع الادانة اقوى من الادانة نفسها لو قرأ تاريخ السلطة جيّداً، لكنّهم لا يقرأون.

الفتية الذهبيون الذين جاءوا بالصدفة الى السلطة، يعوزهم النضج الاخلاقي الذي يجب ان يتوفر لدى رجل الدولة في النظام الديمقراطي، فقد استقال مسؤولون في ديمقراطيات عريقة وناشئة لدواعي تعد لا شيء قياسا بما هو حال الفخفاخ مثلا، ولعل أخطر ما في هذا الامر الكلفة الباهظة والفاتورة العالية التي ستدفعها البلاد والنظام الديمقراطي جراء هذا النوع من الحكّام الطارئين الذين يفتقدون السيرة النضالية والشرعية الشعبية فضلا عن الالتزام القيمي والمرجعية الاخلاقية.

الفتية الذهبيون تسرّبوا من الثُقَبِ التي فتحت في جدار النخبة الحقيقية، وفيّ غفلة من النّاس، وسيخرجون حتما من الثقب ذاتها، لكن بعد ان يكبّدوا البلاد غاليا.. سامح الله من كان سببا وغفر له خطاياه في حق نفسه وحق الوطن والديمقراطية.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP