الجديد

تونس و آلة الزمن … "خوذو عيني شوفو بيها"  

كتب: مازري طبقة
نتفق جميعا, في اطار روح التوافق, ان المشهد السياسي في تونس معقّد في بعضه, متدنّي في بعضه الآخر, مشهد يتميز بالتشنّج و احتراف صناعة التهم و القائها و خلق الازمات دون التفكير في حلول لما صنعت ايديهم او ربما ألسنتهم, مشهد سياسي اكتظّ ببعض المندسّين في مجال السياسة حملتهم رياح الانتخابات الى قلب الساحة السياسية ضمن زلزال ديمقراطي  لم يعرف شمال افريقيا  و عموم العرب مثيلا له.
نتفق جميعا, في اطار روح التعايش, ان الازمة السياسية في تونس, خلّفت ازمات اقتصادية و اجتماعية, و جعلت منسوب الثقة في عموم السياسيين في أدنى مستوياتها, و أصبحت على اثرها الانتخابات من هدف مواطني يسعى لها الجميع الى هدف للمقاطعة و العزوف من فئات واسعة من الشعب التونسي, مرض ديمقراطي أصاب الشعب التونسي  أصبح يُؤرّق كامل الساحة السياسية خوفا من انتخابات 2019 ان تتحول الى انتخابات دون صناديق.
حصيلة تبدو, و بكل حيادية, سلبية و لكن … مع مثل هذا الحراك السياسي و الذي زاده “رونقا” الحراك الاجتماعي بقيادة الاتحاد العام التونسي للشغل, جعل تونس و كأني بها استقلّت آلة زمن طارت بها عقودا نحو المستقل تاركتا وراءها الأشقاء و الأصدقاء من دول كانت تشاركهم نفس الهموم و المآسي.
في تونس أصبح النقاش ملتزم بنواميس “القانون و المؤسسات” و في وقت لا تزال شعوب أخرى ترنو نحو حرية التعبير و ممارسة السياسة يبحث الشعب التونسي, سياسيا, عن تأسيس المحكمة الدستورية و انغمس في نقاش هدفه تفعيل الدستور و تطوير فصوله حتى يواكب سرعة ” آلة الزمن”  التي انتقلت به نحو مستوى آخر فاق حتى سرعة “الانتقال الديمقراطي”. حالة سياسية بلغها الشعب التونسي الى درجة ان مجرّد تهديد لحرية التعبير اصبحت تستنفر جميع القوى الساسية و المدنية.
عجيبة هي “آلة الزمن”, فاذا استثنينا بعض الانحرافات التي لا تغيب عن اي جدال سياسي, فان اساليب المحاججة السياسية و النقاشات ذات الأبعاد الانتخابية تطورت و تخلّصت في ما تخلصت من نزعة الاقصاء التي تميز الانظمة السياسية ذات الرأس الواحد و اللسان الواحد, و اذا اخذنا بعين الاعتبار المستوى الثقافي و المعرفي المتطور الذي يتميز به الشعب التونسي فاننا لن نستغرب الحركية التي يعرفها الشارع السياسي في تونس و التي تحدد دائما مزاج الطبقة السياسية و توجهاتها و تعدّل كل انحراف تفرضه الاهواء الايديولوجية تحت قبة البرلمان او المساءات الاعلامية التي تعتمد الاثارة أسلوب خطاب.
ان كان الانتقال الديمقراطي شرّع استبعاد الشعب من المعارك السياسية و جعل من الديمقراطية حكما دون شعب, فان آلة الزمن اعادت توزيع الاوراق او على الاقل جعلت من امر قابل للتطبيق, فالوعي المجتمعي في تونس و بفضل هذه النقلة الكبيرة في الزمن السياسي اصبح الموجه الاساسي و الرئيس للحياة السياسية عموما, و ما يفصلنا عن النتائج الملموسة الا القليل, فالاجيال القادمة ستؤرخ لما نعيشه اليوم كحدث فارق في تاريخ تونس الحديث.
تونس, “و خوذو عيني شوفو بيها”, اصبحت تمثل ضمير الشعوب في المنطقة و البوصلة الحقيقية لتحديد اتجاه “الأمام”, و ربما الحراك السياسي العاصف داخليا يحجب عنا حقيقة موقع تونس اقليميا و دوليا و مكانتها لدى الشعوب العربية, “الإجابة هي تونس” هكذا يقول الاشقاء في مصر.
ليس في الامر سِرٌ, “آلة الزمن” هي الشعب التونسي صاحب النمط المجتمعي الفريد و مستوى الوعي المواطني المتميز و قابلية عجيبة على التأقلم مع التغيرات و الطوارئ و الاهم ربما, ميزة هذا الشعب هي تلك الروابط التي تجمع بين أفراده على اختلاف انتماءاتهم السياسية و الجغرافية فـالذي يجمع بينهم اكبر و أعظم
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP