الجديد

هشام المشيشي .. “المهمة المستحيلة” !

منذر بالضيافي

كشف رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي في أول تصريح اعلامي له بعد أسبوعين من انطلاقه في مشاورات  تشكيل الحكومة على “أن هناك اجماع على أن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية التي وصلت اليها البلاد في هذه المرحلة خطيرة” وفق تعبيره.

كما أقر المشيشي “بأن الاختلافات السياسية مازالت موجودة وهي خلافات عميقة يفسرها النظام السياسي والتشتت البرلماني “.

يأتي هذا التصريح في ظل تواصل الجدل داخل الطبقة السياسية وأيضا في الاعلام والمجتمع حول “هوية” الحكومة المقبلة، وتحديدا هل ستكون حكومة كفاءات مستقلة أم حكومة متحزبة على غرار كل الحكومات التي تشكلت بعد الثورة؟

للاشارة فان تكليف المشيشي بتشكيل الحكومة من قبل الرئيس قيس سعيد، وهو المستقل عن الأحزاب والقادم من الادارة التونسية، أعتبر من قبل جل المتابعين على أنه خيار يدفع باتجاه تكوين حكومة كفاءات وطنية مستقلة عن الاحزاب.

وهو ما يمثل “انتصار” لخيار الرئيس قيس سعيد، الذي يحمل الأحزاب التي حكمت خلال السنوات الأخيرة مسؤولية تردي بل انهيار الأوضاع خاصة الاقتصادية، فضلا عن قناعة راسخة لديه بأن زمن الأحزاب السياسية قد أصبح من الماضي، وأنه لابد من بديل سياسي للحكم على أنقاذ الأحزاب السياسية.

من جهة أخرى يري قادة الأحزاب، وبرغم الخلافات الكبيرة التي تشقهم، أنه لا يمكن “الانقلاب” على النظام السياسي الحالي، وبالتالي فان الحكومة المقبلة، التي سيقودها المشيشي وزير الداخلية في حكومة الياس الفخفاخ المستقيلة ، لابد أن تراعي نتائج الانتخابات، وأن الذهاب نحو حكومة تقنوقراط ادارية، يرتقي الى “الانقلاب السياسي” في تقديرها.

أما مجتمعيا، فان هناك قطاعا واسعا من الرأي، في طور التشكل وبرز من خلال الاعلام وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، يساند تشكيل حكومة انقاذ وطني لا تخضع للمحاصصة الحزبية.

وهو “موقف” يقوم على تحميل الأحزاب مسؤولية الفشل في ادارة البلاد، ويعتبر أن المنظومة الحزبية الحالية غير قادرة على اخراج البلاد من المأزق الذي تردت اليه، سواء من الناحية الاقتصادية، أو البعد الخدماتي من خلال رصد ترهل جل الخدمات الأساسية ( الصحة والتربية والمياه ….).

كما يرى أصحاب هذا التوجه – الذين يلتقون مع خيار الرئيس سعيد الرافض بل “المشيطن” للأحزاب – ، أن الأحزاب السياسية الحالية تعيش أزمة هيكلية / بنيوية ، تتمثل في افتقادها للتسيير الديمقراطي، فضلا على “التشكيك” في مصادر تمويلها و ارتباطاتها بالخارج.

ولعل ما يدعم رأي المتمسكين بضرورة تشكيل حكومة كفاءات وطنية، هو حالة التشتت التي عليها المشهد البرلماني، اذ أنه – وبعد استقالة حكومة الفخفاخ – أصبح من “شبه المستحيل” بناء “توافقات” قادرة على تشكيل أغلبية برلمانية، تكون سند وحزام سياسي وبرلماني لأي حكومة.

مما تقدم نلاحظ أن تونس تمر بمأزق كبير، وأن الأزمة أصبحت شاملة ومعقدة، وتتغذي يوميا من تناقضات بصدد التمدد داخل مؤسسات الحكم، التي لا نبالغ بأنها دخلت في طور “التحارب” و “الصراع”، ونعني هنا ما الت اليه العلاقة بين قرطاج وباردو، وهو ما زاد في تعميق “أزمة الثقة”، التي ترجمت في الواقع من خلال حالة من الانقسام السياسي والمجتمعي.

ولعل هذا ما يفسر وضعية “الحيرة” التي عليها رئيس الحكومة،  الذي وجد نفسه ، وهو الذي يفتقد لتجربة سياسية ، وتغلب عليه النزعة الادارية التي تقوم على “الانضباط”، حيرة عبر عنها الرجل في “تصريح  يتيم” بعد أسبوعين من “الصمت الاتصالي”، بكون “الخلافات السياسية عميقة”، تصريح كان منطلق مقالنا هذا، وهو برأي وكما يقال: “بيت القصيد”، في علاقة ب “هوية” حكومته المقبلة، لو كتب لها أن ترى النور.

وهذه “الحيرة” كشف عنها أيضا جل الشخصيات الذين التقوا بالرجل في “دار الضيافة” بقرطاج، اذ أن اللقاءات غلب عليها الجانب “البروتوكولي” ، وهي أقرب الى أن تكون “استشارة روتينية”، على أهمية الحوار والانصات لآراء مختلفة في ظل تعطل “التواصل” بين مؤسسات الحكم، وتباين مقارباتها ما جعلها أقرب ل “القطيعة” منها لإيجاد أرضية مشتركة على الأقل ل “التعايش” بينها ، وهي وضعية – نقدر لو استمرت – ستفضي الى شكل من أشكال “التصادم”.

هذا “المناخ المتأزم” سيجعل مهمة هشام المشيشي صعبة و معقدة وحتى “مستحيلة”، وحتى لو نجح في تكوين فريق حكومي فانه سيكون “هش”، والأقرب سيكون اعادة انتاج مشوهة لحكومة الفخفاخ، وبالتالي سيزيد في تعميق جراح البلاد، عبر الدفع بها الى حالة من عدم الاستقرار الحكومي وحتى المجتمعي، في وضع يفترض وحدة وطنية ، نقدر أن البلاد في أشد الحاجة اليها، للشروع في مسار انقاذي سيكون طويلا وشاقا.

أخيرا: هل ينجح المشيشي في تحقيق معادلة يتجاوز من خلالها كل التناقضات بين مؤسسات الحكم وبين مكونات البرلمان وينجح – وهو الأهم – في اقناع كفاءات وطنية بضرورة الانكباب على “الانقاذ الوطني”؟

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP