الجديد

القيسيّة .. صراع بين الجمهورية والجماهيرية

خالد شوكات

واحدة من أهم خصائص مرحلة الانتقال الديمقراطي أنها مجال زمني “تجريبي” تواجه فيه الديمقراطية الناشئة جميع الظواهر السياسية والقضايا المصيرية التي تشكل في مجملها “محفّزات نموّ” ضرورية و”مؤشرات تقويم للمسار وتعديل للمسيرة” لا يمكن الاستغناء عنها.

اليوم نحن بصدد انحراف فرعي عن المألوف، مشتقّ من الانحراف الرئيسي “القيسيّة”، الذي أتى برجل غريب الأطوار الى أعلى هرم السلطة، قيل ان وظيفته الاساسية هي تحطيم الطبقة السياسية الراهنة تمهيدا لولادة طبقة جديدة، أما هو فقد وضع نصب عينيه ما كان قد نطق به تصريحا وتلميحا إبان حملته التفسيرية “الشعب يريد” “من ان عليهم ان يرحلوا جميعا”.

وأما الانحراف الثانوي، الذي انبرى جزء من القوم يهللون له ويطبلون” فهو ان تتشكل حكومة خالية من الاحزاب، وان يمنحها النواب الثقة وهم صاغرون تحت تهديد حل مجلسهم غير الموقر، ولا احد يعلم بعد منحها الثقة ماذا ستفعل بما ستحتاجه من قوانين ان كان الجميع بريء منها كما هي منهم براء، وهذه بدعة لم يسبقنا اليها احد على حد علمي، في ان لا يكون في المجلس حكم ومعارضة، وفي ان لا تكون هناك أغلبية مساندة واضحة وأقلية معارضة.

ولكن النقطة التي اود الإشارة اليها ليست هذه إنما تلك المتصلة بمزاج كتلة من المواطنين يَرَوْن في حكومة الكفاءات المستقلة حلّا سحريا سيخلص البلاد من لوثة الاحزاب كما يقول الرئيس، ولن يكون ثمّةَ شيء يمكن ان يقنعهم بتهافت هذه النظرية قدر التجربة الواقعية التي ستبين ان تشكلت الحكومة واشتغلت أشهرًا،

ان “الحكومة” ليست “الادارة” وان سياق النظام الرئاسي السابق ليس سياق النظام الحالي، وليس اكثر إقناعا في الدنيا من الواقع والتجربة العملية. وعلى هذا النحو فنحن محتاجون الى هذه التجربة بصرف النظر عن نتيجها، وليس ثمّةَ شيء سلبي في المطلق ولا إيجابي في المطلق، وعندما سنطوي الصفحة “القيسيّة” ونمر الى كتابة الصفحة “اليمانية”، ستكون البغلة قد عثرت وعُمَرُنَا قد عجز عن تسوية الطريق لها، وسنكون قد تعلّمنا من الفِعَال ما عجزنا عن تعلمه من الاستشراف والأقوال..

لقد أهدت القيسيّة اليمانية من حيث ارادت القضاء عليها فرصة إقامة الدولة الأطول عمراً في تاريخ الاسلام..والحكمة يمانية مثلما أخبر الأثر الشريف.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP