الجديد

هشام الحاجي

تونس: عشرية التناقضات .. والخوف من القادم !  

هشام الحاجي

لم يعرف المجتمع التونسي في تاريخه الحديث و المعاصر عشرية تشبه التي نتأهب لتوديعها بعد أشهر معدودة.

التقت في بوتقة واحدة تطلعات أجيال من التونسيين و التونسيات مع إخفاقات غير مسبوقة في تحقيق إنجاز لافت إذا ما استثنينا صياغة دستور لا يخلو من قنابل موقوتة، و إجراء انتخابات شفافة في الظاهر، و يتحكم فيها المال السياسي و الإعلام الموجه من خلف الستار.

و لكن ما يبدو أكثر دلالة و تأثيرا هو  ظهور طبقة سياسية لم تفلح إلا في إنتاج الأزمات ، و هو ما أظهرته هذه العشرية من مظاهر يمكن تصنيفها في خانة اللامعيارية القيمية و ” الباطولوجيا الاجتماعية ” و التي قد تتواصل مفاعيلها لسنوات.

من اول مظاهر اللامعيارية القيمية التأرجح بين تثمين الذات و مثلنتها من جهة و تبخيسها و احتقارها من ناحية أخرى، و هو ما يكشف عن تمحور مرضي حول الذات، يجعل الشخص الواحد ينتقل في حيز زمني قصير، من اعتبار المجتمع التونسي أفضل المجتمعات، إلى التبرم من هذا المجتمع ، و من علاقاته و القيم التي تؤطره.

هذا التأرجح بعود إلى غياب العقلانية ، و إلى غياب منجز حقيقي و هو ما يتم تعويضه بآليات تعويض نفسية،  من بينها أيضا اعتماد التفسير التأمري لتبرير الإخفاقات و العثرات، و إلقاء المسؤولية على الآخر ، سواء كان اجنبيا أو مختلفا فكريا و سياسيا.

من هذه الزاوية يمكن فهم بروز النزعات العنصرية لدى التونسيين ، خاصة مع الأفارقة و أيضا طغيان العنف و الكراهية على الخطاب السياسي، إذ لا يتبادل الفرقاء السياسيون الأفكار و الآراء،  بل ينخرطون في حملات تبادل للشتائم و التهديد ، تنعكس هذه الظواهر سلبيا على مختلف مناحي الحياة.

يعتبر كل حزب و كل شخصية سياسية أنه الأفضل و أنه المالك للحقيقة، و هو ما يجعله في وضعية المكتفي بذاته، الذي لا يحتاج للأخرين بل يتعين عليه ” استبعادهم “، لأنهم يعيقونه عن ” تحقيق أهداف الشعب ” .

هذا التمحور الذي يجد أصداء إيجابية لدى قطاعات واسعة من المتلقين ، هو انعكاس لهيمنة نزعة محافظة،  تطغى على كل المجالات و تتجلى في تنامي النزعات المناطقية و الجهوية و القطاعية،  التي تعيق بناء الوعي الوطني و تحول دون تطور كل نزعة ادماجية.

كما تزيد في منسوب التبرم من الحاضر و الخوف من المستقبل، مع تنامي نزعات الحنين المرضي للماضي القريب و البعيد ، إلى جانب نبذ ” فطري ” للحريات الفردية و الجماعية.

و إذا ما اضفنا إلى ذلك فشل المؤسسات الدامجة للفرد من أسرة و مدرسة و مؤسسة إقتصادية امكن توقع تنامي هذه ” الباطولوجيا الاجتماعية ” ، و هو ما يعني أنه من الصعب كسر الحلقة المفرغة،  دون تضحيات قد تكون مكلفة للجميع.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP