الجديد

تونس اليوم : نهاية "التوافق" .. و الانقسام "سيد الموقف"

كتب: منذر بالضيافي
قبل أسبوعين، من الذكرى الثامنة، لانطلاق الأحداث، التي تحولت الى انتفاضة عارمة (17 ديسمبر 2010)، كانت بمثابة كرة الثلج، انتقلت عدواها من سيدي بوزيد الى القصرين، لتصل العاصمة تونس وتعم كافة البلاد، وانتهت بسقوط  نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، تعيش تونس حالة من الانقسام المجتمعي والسياسي، التي نلاحظ أن النخبة السياسية الحاكمة في وضع العاجز عن ادارتها، لترمي بظلالها على المشهد التونسي، فأربكت المجتمع وأجهزة الدولة ومؤسسات الحكم، وأصبحت تنذر بالأسوأ.
في تونس اليوم، الانقسام سيد الموقف، ما جعل الانتقال الديمقراطي يواجه “محنة” مفتوحة على كل السيناريوهات، بما في ذلك حصول ردة عن المسار برمته، الذي انطلق في 14 جانفي 2011، وحقق العديد من “المنجزات” السياسية، لكنها “منجزات” بقت على أهميتها “شكلية”، فالديمقراطية ثقافة ومؤسسات، قبل أن تكون انجاز مواعيد انتخابية دورية، مثلما تم اختزالها الى حد الان في التجربة التونسية.
في غياب ارادة سياسية لمأسسة المسار (مماطلة في تشكيل المحكمة الدستورية مثلا)، فضلا عن بروز فشل في الادارة  السياسية للوضع الاقتصادي، الذي سيكون خميرة لحراك احتجاجي، تشير كل المؤشرات والدلالات أنه قادم على عجل، الذي أصبح  يتغذى من الصراع السياسي بل من المواجهة المفتوحة داخل رأسي السلطة التنفيذية، ومن نهاية “التوافق” بين “الشيخين”،  هذا “التوافق” الذي نقدر أنه كان وراء استمرار المسار وأنه من المرجح أن يتضرر كثيرا بانهياره.
لقد استمر ما أصبح يعرف ب “الأنموذج التونسي” – الى اليوم – بفضل ما عرف في الحياة السياسية ب “التوافق”، الذي أختزل في اتفاق بين “الشيخين” (الباجي قايد السبسي الرئيس الحالي للبلاد ورئيس حركة “النهضة” الاسلامية راشد الغنوشي)، ما جعله اتفاقا “هشا” ومحكوما ب “مزاج” و “أهواء” الرجلين، وهذا ما كشفت عنه الأزمة السياسية المفتوحة، التي تعيش على ايقاعها البلاد منذ أكثر من نصف سنة، بمجرد الاعلان عن “فك الارتباط” أو “التوافق” بين “الشيخين”، وهو ما كشف عن عمق التناقضات والانقسامات، التي تميز المشهد التونسي الحالي، مجتمعيا وسياسيا.
كشفت الأزمة السياسية الممتدة ونهاية “التوافق”، عن عودة الانقسام الكبير والحاد، الذي أصبح سيد الموقف، خاصة بين “الاسلاميين” و”الديمقراطيين” والذي تغذى أكثر من الصراع بين “قرطاج” و”القصبة”، ومن ملف ما أصبح يعرف ب “الجهاز السري” لحركة النهضة .
كما برزت أهم مظاهر الانقسام في المشهد السياسي،  من خلال عودة الحديث عن “تخطيط” النهضة للهيمنة على الأوضاع، ويظهرها في مظهر الحزب الحاكم بل لتتحول حكومة الشاهد 3 الى حكومة النهضة، ليعود الحديث ايضا عن وجود انخرام كبير في الحياة السياسية، وفي الخارطة الحزبية.
في استعادة للمشهد الذي كانت عليه البلاد قبل تأسيس حزب “نداء تونس” (2012)، من قبل الرئيس الباجي قايد السبسي. حيث كان الاختلال لصالح حركة “النهضة” الاسلامية، في مقابل تشتت القوى الوطنية والديمقراطية.
هذا الحزب الذي أعاد التوازن السياسي والحزبي، لكنه عاد لينهار بسرعة غير متوقعة، مما نجم عنه حصول تغير في موازين القوى، خاصة بعد تفكك الكتلة البرلمانية للنداء (89 نائب)، وفوز الاسلاميين ببلديات ماي 2018، وهو ما جعل “النهضة” تدعوا الى ضرورة الاحتكام لموازين القوى الجديدة.
بما يعني بالأساس تغيير مضمون/ محتوى “التوافق”، الذي حكم البلاد طيلة كامل الفترة التي سبقت الانتخابات البلدية، والذي كان لصالح الرئيس الباجي قايد السبسي، الذي حكم تقريبا بصلاحيات رئاسية تشبه تلك التي حكم بها بورقيبة وبن علي، وهو ما عبر عنه راشد الغنوشي، من قصر قرطاج بالذات، يوم اعلان الرئيس عن تعليق مفاوضات “قرطاج2″، عندما شدد على أن الحركة لم تعد مستعدة في الاستمرار في سياسة التنازل، ويقصد التنازل للرئيس قايد السبسي.
وان أرجعت “النهضة” نهاية “التنازل”، الى ما روجت له لاحقا من تمسك ب “الاستقرار السياسي وخاصة الحكومي”، غير أن “المسكوت عنه” هو أن البلاد دخلت مرحلة جديدة، لا تستند لانتخابات أكتوبر 2014 بل الى الانتخابات البلدية لماي 2018، التي أعطت مشهد سياسي وحزبي جديد لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار.
وهذا معقول في كل التجارب الديمقراطية، لكن ما غاب عن النهضويين أن البلاد ما تزال في مرحلة انتقالية، وأنها ما تزال في حاجة الى الاحتكام ل “التوافق” و “التعايش” بين “الاسلاميين” و”العلمانيين”، مع الاستئناس بنتائج الانتخابات، لكن “الشيخ الغنوشي” أراد الاحتكام للفرز الذي جاء بعد ماي 2018 (الانتخابات البلدية)، تمهيدا للذهاب نحو فرز أكبر وأهم وهو الاستحقاقات الرئاسية والتشريعية المبرمجة خلال سنة 2019.
هذا ما يفسر تمسك بل “استماتة” قيادة “النهضة” بالذهاب الى الاستحقاقات القادمة، ولعلها وجدت في دعم يوسف الشاهد، خيار “مضمون” للوصول لهذه الاستحقاقات.
وهو ما جعل  الغنوشي يسرع بالاستعاضة  عن “التوافق” مع الرئيس السبسي ب “شراكة” مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، في قراءة منه للوضع مفادها تراجع “دور” و”نفوذ” و”مكانة” الرئيس السبسي، وأنه وفق هذا التصور سيكمل ما تبقى من عهدته “معزولا” في قصر قرطاج. ولعل هذا ما يفسر تأكيد الرئيس السبسي على أن “النهضة” هي التي اختارت انهاء “التوافق”، تصريح يبدوا أن الرئيس أراده أن يكون بمثابة “تبرئة  ذمة” من “عواقب” ما أقدم عليه “الشيخ الغنوشي”.
للإشارة، فان موقف لم يكن في الحقيقة محل اجماع داخل البيت النهضاوي، لكن الكلمة الفصل كانت للغنوشي.
فهل تسرع الغنوشي في اعلان “نهاية التوافق” ؟ وما هي مالات فك “التوافق” على “النهضة” وعلى بقية مكونات المشهد ؟ و على الاستقرار الاجتماعي والسياسي ومستقبل تجربة الانتقال الديمقراطي؟
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP