الجديد

تونس اليوم .. أزمات بالجملة وخوف من القادم

منذر بالضيافي

لا يختلف اثنان، في أن تونس اليوم تعيش مرحلة صعبة، ولا نبالغ بالقول بأنها من أدق واصعب الفترات، في تاريخها الحديث بعد بناء الدولة الوطنية، مرحلة تتسم بانهيار اقتصادي ينذر بإفلاس الدولة، بدأت تداعياته تبرز من خلال حراك اجتماعي هو أيضا ينذر بالتحول الى “انفجار اجتماعي”، في تزامن مع ضعف مؤسسات الدولة، فضلا عن أزمة سياسية، لعل من أبرز سيماتها حالة الصراع بين ما يسمى ب “الرئاسات الثلاث”، التي تعيش حالة من عدم الانسجام والتنافر الذي يصل حد القطيعة، يجري كل هذا في سياق “عزلة” عن العالم الخارجي، بفضل سوء ادارة للعلاقات الخارجية والدبلوماسية، وهو ما دعم حالة قلق مجتمعي وخوف من المستقبل.

في ظل هذا المناخ ينتشر خطاب كالنار في الهشيم، على ان البلاد تنهار ومقبلة على حرب اهلية وان الدولة تتفكك. وهو للأسف خطاب منتشر خاصة في بعض المنابر الاعلامية، وهو يفتقد للأسس العلمية فضلا عن جهل بسوسيولوجيا العلاقة بين المجتمع والدولة، على مدى تاريخ البلاد التونسية.

لذلك نقدر أنه يعد في خانة ما نطلق عيله ب “التخميرة الاعلامية”، وهذا طبعا لا ينفي ما يحصل في الواقع من صراع بين مؤسسات الدولة، ومن حراك احتجاجي ومن ما يشبه العطالة في ادارة الشأن العام.

لكن على اهمية الشواهد في الواقع، فانه لا يرتقي للتسرع في الحديث عن سقوط الدولة، وان البلاد ذاهبة  نحو حرب اهلية .. و المخيف ان مثل هذا الخطاب المتهافت علميا والانفعالي، اصبح له جمهور كما اصبح أصاحبه نجوم.

في زمن الازمات، يجب ان يكون خطاب النخب والاعلاميين خاصة محفز على الانقاذ، عبر الرفع من معنويات الامة، ويغادر التقوقع السياسي والايديولوجي .. ويكون بالتالي متجها نحو التحفيز على رفع التحديات وتقوية معنويات الجمهور.

صحيح الدولة ضعفت، لكنها ليست في وارد الانهيار او التفكك، وكل تاريخ بلادنا شاهد على ذلك، وعلى ان ارث الدولة المركزية القوية،  كانت له دوما الغلبة والصمود، في كل الازمات التي عرفتها بلادنا .

اما عن “اللغو”،  الذي يتحدث عن الحرب الاهلية ، فانه يرتقي الى “الغباء التاريخي”، وان كان هناك مظاهر للانقسام المجتمعي،  فان الشروط التاريخية للحرب الاهلية غير متوفرة. فالمجتمع التونسي منسجم اثنيا وثقافيا وليس مجتمعا فسيفسائيا مثل لبنان وسوريا مثلا.

ان مصير مسار الانتقال الديمقراطي، الذي انطلق واعدا قبل عشرة سنوات، وهو الأن بصدد التحول الى ما يشبه “الكابوس”، وسط تصاعد خطاب “تخويفي”: من “تفكك الدولة” و الذهاب نحو “حرب أهلية”.

نقدر أنه خطاب بلا سند علمي ولا ايضا مجتمعي في الواقع، وأن الحرك الاحتجاجي – الذي لم ينقطع وفي تواصل مع ارث احتجاجي – لا يستهدف ضرب الوحدة الوطنية أو استهداف الدولة ومؤسساتها، بقدر ما هو يعبر عن مطالب شرعية، ويحفز الهمم لصياغة ميثاق اجتماعي واقتصادي جديد، ميثاق يؤسس لعلاقة تعاقدية جديدة بين “المخزن “والجهات المهمشة، بين “المركز” و “الأطراف”، وفق عبارة عالم الاقتصاد المصري سمير أمين.

 

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP