الجديد

سياسة خارجية ترقيعية بلا هويّة

خالد شوكات

زيارة رئيس الحكومة السيد هشام المشيشي إلى كل من باريس وروما، ستكون بلا وقع أو نتيجة، زيارة روتينية باهتة ستشبه زيارة رئيس مجلس ادارة الشركة التونسية للسكك الحديدية لنظيره الفرنسي او الايطالي، للتباحث في عربات جديدة للقطار نود اقتناءها، وليس من دليل على ذلك افضل من البداية التي استهلت بلقاء الرجل مع اطارات طبية تونسية، وافضل من الخاتمة التي تكون بحديث مع المسؤولين الإيطاليين عن الكيفية التي سنبذل بها جهودا اكبر في مكافحة الهجرة السرية التي اضحت الموضوع الاساسي لعلاقاتنا مع جيراننا في الشمال.

سياستنا الخارجية هي انعكاس أمين جدّا لأوضاعنا الداخلية، ابتداء من وضعية رئيس الجمهورية المسؤول الاول عن هذا الملف دستوريا، وهو رجل الذي وصل الى قرطاج بلا موهبة قيادية أو تاريخ معروف في الديبلوماسية والعلاقات الاقليمية والدولية، أو حتى صلات خارجية شخصية، مرورا بوزير الخارجية الديبلوماسي العتيق الموروث عن زمن النظام السابق والذي لا يذكر له احد تميّزا استثنائيا او براعة خاصة، وقد اختير في الغالب لأنه لا يغضب أحداً، ولان رئيس الجمهورية لا يملك رؤية او برنامجا في الشؤون الخارجية، او حتى يعرف من يصلح لهذا المنصب تحديدا، فضلا عن ان شعار “الشعب يريد” لا يصلح ولا يفيد على هذا الصعيد، وربما على جميع الاصعدة، باعتباره شعارا فضفاضا لم يمنحه الرئيس اي مضمون عملي يمكن القياس عليه او استنتاج شيء منه.

ولعله المرة الاولى منذ الاستقلال تبلغ فيه السياسة الخارجية التونسية هذه الضبابية وهذا الخمود، فقد كان هناك شعار ما لكل نظام من الأنظمة التي تعاقبت على تونس، بمقدورنا من خلاله فهم العقيدة المعتمدة لدى وزارتنا للشؤون الخارجية وممثلياتنا الديبلوماسية، فعلى زمن بورقيبة كان هناك استكمال التحرر الوطني وعدم الانحياز ودعم القضايا العربية العادلة والتصدي للشيوعية والتعاون مع العالم الحر، وعلى زمن بن علي كان هناك النموذج التنموي من خلال التسويق للنمر الافريقي الصاعد مع المزج بين الثبات والاعتدال في الدفاع عن قضايا المنطقة والحفاظ على وهج العلاقة مع الاشقاء في المنطقة المغاربية والاصدقاء في المنطقة المتوسطية والانخراط في منظومات التصدي للظاهرة الإرهابية.

في زمن المرزوقي كان التوجه دعم الثورات في بلدان الربيع العربي وتسويق تونس اقليميا ودوليا باعتبارها الديمقراطية الناشئة والتجربة الناجحة للتحول الديمقراطي، قبل ان تتحول السياسة الخارجية زمن الباجي قائد السبسي الى العمل على استعادة خاصية الاعتدال والواقعية والابتعاد عن حرب المحاور الاقليمية التي طالما ميزت الرؤية التونسية للمنطقة والعالم.

أما اليوم فلا احد بمقدوره ان يدرك المحدّدات التي توجه سياستنا الخارجية، غير حالة اللاموقف واللّاطعم واللّارائحة، وديبلوماسية التي تحوّل سفراءنا الى مجرد موظفين يرأسون بعثات ديبلوماسية مختصرة في دوائر قنصلية تقدم خدمات ادارية واجتماعية لابناء جاليتنا في الخارج. وحتى تلك المواقف التي ميّزت سعيّد إبان حملته التفسيرية ومن أهمها موقفه المناصر للقضية الفلسطينية والمناهض للتطبيع.

فقد اثبتت سيرة الرجل طيلة سنة في الحكم انها مجرد مواقف خطابية عزّزت الطابع الشعبوي والانتخابي المؤقت دون ان يجد لها المتابعون أثرا في الواقع، بل لربما وجد لها اثر يخالفها تماما. اذا فقدت البلاد مشروعها الحضاري الوطني وتحوّلت سياستها الداخلية الى تسيير تكنوقراطي باهت يقوم على الترقيع وإطفاء الحرائق ومتابعة اليومي المرهق، فإن سياستها الخارجية ستكون حتما من ذات الماهية، ولهذا فان من ينتظر معاملتنا في باريس او روما او غيرها من العواصم بطريقة مختلفة عن المعاملة التي وجدها او سيجدها السيد المشيشي، سيكون مخطئا تماما، فالبلدان بمشاريعها، والقادة بمحتواهم، والسياسة الخارجية ماهي الا ترجمان الطموح الوطني على الصعيدين الاقليمي والدولي، فمن يجيبنا ما هو شعارنا أو طموحنا؟ .

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP