الجديد

حديث الجورنالجي: بعد تواتر الاستقالات: نداء تونس .. وبداية مرحلة ما بعد السبسي الابن

غرق حزب حركة “نداء تونس”، أيام قليلة بعد وصوله للسلطة، في “أزمة بلا نهاية”، واستمر الحال على ما هو عليه يوما بعد يوم، ليصل درجة غير متوقعة من التشظي ثم  “التفكك”، وكل أزمة تلد أخرى، لعل اخرها تتالي الاستقالات في كتلة الحزب في البرلمان، الذي تدحرج الى الكتلة الثالثة، مع العودة البرلمانية الجديدة، التي انطلقت الثلاثاء 2 أكتوبر 2018. كما يستمر النزيف الداخلي/ التنظيمي، المصاحب بهجرة جماعية وكبيرة من قيادات الحزب وهياكله الجهوية، وسط ما يشبه الاجماع على رفض التسيير الحالي للحزب، من قبل المدير التنفيذي، نجل الرئيس، حافظ قايد السبسي، لتخرج الأصوات عن تحفظها، وتصدع بضرورة رحيل السبسي الابن، كمقدمة ضرورية لإنقاذ الحزب، واستعادة دوره في الحكم وفي الشارع، خصوصا وأن جذوة “المشروع” ما تزال حية في نفوس المؤسسين والأنصار على حد السواء.  
 
أزمة الحزب الحاكم (نداء تونس)، تجاوزت حدود تأثيرها للبيت الداخلي الحزبي، لترمي بظلالها على المشهد العام في البلاد. وذلك من خلال إرباكها لمؤسسات الحكم، فقد كان لهذه الخلافات تأثير مباشر على أداء واستقرار حكومتي الحبيب الصيد، ويوسف الشاهد، هذا الأخير  لم يحض  بدعم وسند من “نداء تونس”، بل أن قيادة الحزب الحالية “خططت” لارباك حكومته، قبل أن تمر للدعوة الصريحة لإزاحته.
 
أزمة الحزب أثرت أيضا، بصفة سلبية في مجلس نواب الشعب (البرلمان)، سواء في ما يتعلق بمراقبته للحكومة أو من حيث القيام بدوره التشريعي، من دون أن نغفل عن وقع هذه الأزمة على هيكلة البرلمان، توزيع الكتل والأغلبية البرلمانية.
كما لم يسلم قصر الرئاسة بقرطاج من شظايا نيران أزمة النداء، من ذلك أن الرئيس وكبار مستشاريه قد تحولوا إلى طرف في الأزمة، ما أثر سلبا على رمزية واعتبارية الرئيس ومؤسسة الرئاسة.
وهو ما دفع الرئيس السبسي إلى “التبرؤ” في أكثر من مناسبة من “شبهة التوريث”، وذلك ردا على “اتهامات” له بأنه يسعي لتوريث نجله، في حزب “نداء تونس” وفي مؤسسات الحكم، وما يزال جل الفاعلين في المشهد السياسي يطالبون الرئيس السبسي بضرورة الحسم في مصير ابنه في الحزب، وبات جلهم لا يقبل بغير ابتعاد الابن عن الحياة الحزبية والسياسية، ما جعل الرئيس في مأزق نظرا لتردده في العلاقة بدور ابنه، تردد اعتبره البعض بمثابة حماية للابن.
 
كشف مسلسل الاستقالات، عن حصول تفكك في الحزب الحاكم، وبالتالي تخلخل في التوازن في المشهد السياسي والحزبي، ما جعل المراقبين يجمعون على أن تونس دخلت  في أتون “أزمة سياسية” معقدة خاصة بعد بروز الصراع بين رأسي السلطة التنفيذية للعلن، أزمة ستكون لها تداعيات كارثية لو استمرت أكثر، لأنها ستكون مربكة لوضع يوصف بكونه “هشا” وغير مستقر. إن عدم تطويق أزمة الحزب الأغلبي، سيجعل البلاد أمام وضع جديد، تكون فيه كل السيناريوهات ممكنة وواردة، وذلك لا يكون الا عبر تصعيد قيادة جديدة منتخبة ديمقراطيا، تقطع مع المرحلة الحالية في التسيير والإدارة وتحديدا في العلاقة بمؤسسات الحكم.
سياسيا، أعادت أزمة الحزب الأغلبي و انخرام التوازن السياسي جذوة خطاب التوتر والاستقطاب الأيديولوجي، بين الإسلاميين والعلمانيين ، وهو خطاب خلنا أنه تراجع بعد إقرار “التعايش” بين الطرفين، من خلال الحكم معا في حكومة واحدة. 
أما في المستوي المجتمعي، فاننا نلاحظ أن أزمة “نداء تونس”، ساهمت في مزيد تعميق انعدام ثقة التونسيين في الأحزاب وفي السياسيين، وهو ما كان له  انعكاسات سلبية على بلديات ماي 2018 (نسبة مشاركة شعبية هزيلة، عبرت عن قطيعة شعبية للشأن العام)، وهو سيناريو مرشح للتكرار وممكن بأكثر حدة في  الاستحقاقات الانتخابية القادمة، المبرجة لسنة 2019، التشريعية والرئاسية.
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP