الجديد

فضفضة/ الشعب يستقيل رسميا البارحة

غازي معلى
فجأة، و في ليلة شتوية برلمانية صدمتنا الحقيقة و انقشعت الصورة الصادقة والصافعة: البلد تملأه الفراغات الدستوريّة، والقانونيّة، والسياديّة، والسياسيّة، والقياديّة، والحياتيّة، والاقتصاديّة… وكل ما من شأنه أن يعيد الاعتبار والاحترام والاستقرار إلى هذا البلد الذي يملأه الخوف من كل شيء، من داخل ومن خارج..
ومن كل الذين يخطبون ودّه، كما الذين يبيعونه يوميّاً ، كما الذين على ثيابه يقترعون في المناسبات والمزادات، كما الذين يرهنونه لدى الفئات والجهّات القادرة على صناعة من يحتلّون المناصب .. أجل، لا شيء سوى الفراغ ..فراغ إثر فراغ.
كما يحصل تماماً منذ أشهر، وعلى أعلى المستويات.. ومخالفة دستوريّة إثر مخالفة.. والرقعة القانونيّة في ظهر الرقعة.. و ارتهان فوق ارتهان… بلد لا يختلف عن غابة سائبة. لا راعٍ لها، ولا مَنْ يسأل عنها إلا حين تقتضي مصالح معينة، مصالحٌ لا تلتقي ومصلحة هذه الجغرافيا الصغيرة . ولأغراض تقتضيها مصلحة الجوار أو الأبعد منه..
بلد في حال تجعل الصخر ينتحب.. لا وجود لشعب تونسي .. هناك شعوب، قبائل، مجموعات ، فئات انتفاعيّة متكسّبة، تبحث عن حصّتها من مردود هذه الغابة.. حتى الفضلات يتقاسمونها مثلما يتقاسمون الفساد والغش والتهريب وتمرير المواد الممنوعة أو غير المطابقة .
كان البلد متجراً كبيراً فصار دكاناً صغيراً.. فجنّ الفاسدون، وتجّار الغش، وراحوا يعيثون .. فانتزع كل شيء: لا الدولة دولة.. ولا المسؤولون مسؤولون.. ولا المؤسّسات مؤسّسات.. ولا المجلس مجلس.. ولا الحكومة حكومة.. ولا الوزراء وزراء.. ولا النواب نواب.. ولا الموظفون موظفون.. ولا القيادات قيادات.. ولا الزعامات..
ما حدث البارحة تحت قبة البرلمان عند مناقشة قانون المالية لسنة 2019، و ما تم تمريره و تغييره من قوانين يشتم منها رائحة كريهة جدا وصلت الى كافة ارجاء الوطن و تنقل صورة مقرفة الى ابعد الحدود عن طبقة سياسية سقطت عنها ورقة التوت .
بشاعة المشاهد الصادرة من مجلس النواب البارحة من شأنها أن يُشعر كل تونسي بالخجل والمرارة والقهر والقرف.. فكيف بالذي لم يُكشف بعد ولم يُعلن؟
صحيح أن ما يجري ويحصل من حولنا وحوالينا من حروب ودمار ومذابح وتشرّد في دول و انتفاضات في دول اخرى و غيرها من مظاهر الفوضى يجعلنا نشكر الله على نعمة الاستقرار .. ولكن يجب ألا ننسى ان آلاف هاجروا  بطريقة غير شرعية ، و آلاف ذهبت الى داعش .. و كلها تبحث عن الوطن البديل، و لا ننسوا  ان مئات الآلاف تنتظر الفرصة للذهاب لهنا او هناك. . . مؤلم ومفجع أن يتحدّث الواحد منّا عن وطنه بهذه الصراحة.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP