الجديد

العجمي الوريمي يكتب ل “التونسيون”،: “نحو إنفراج الأزمة : من القطيعة إلى التعايش”

العجمي الوريمي *

ألاحظ أن هناك أصوات عديدة ارتفعت لنقد نزعة الرئيس لتوسيع صلاحياته وسلطته ونفوذه وتعسفه في تأويل الدستور من أجل ذلك وهؤلاء من قوى ديمقراطية وشخصيات حقوقية ومختصين في القانون الدستوري وممثلي أحزاب سياسية غايتهم الإنتصار للديمقراطية وإعادة الرئيس إلى داخل الحدود التي رسمها الدستور وإرجاعه إلى حجمه الحقيقي لكن هذه الأطراف لا تريد له هزيمة نكراء أو كسر شوكته أمام النهضة.

بل إن بعض الأطراف المحسوبة على الحداثة والديمقراطية ممن آثروا السكوت على الخروقات والتحريفات أملهم أن يتورط الرئيس في مواجهة النهضة بشتى الأدوات والطرق لأنه إن قلم أظافر النهضة وساهم في إرباكها وتهرئتها فلن يمضي أكثر من ذلك إذ لن تسمح له القوى الداخلية ولا الخارجية أن يتوغل بعنف في تفكيك المنظومة الديمقراطية ليدشن مرحلة دكتاتورية أو ينشئ حالة فوضى.

هم يدركون أن لهم غطاء دوليا أوروبيا وأمريكيا يقيهم نزوات ساكن قرطاج وشطحاته لذلك سيعيدونه إلى حجمه وإلى أدنى من حدوده الدستورية وسيفرضون عليه التعايش مع حكومة ليس للنهضة عليها ولاية أو سلطان ويفرضون عليه “الطرطرة ” والأدوار البروتوكولية حتى آخر الدورة الرئاسية إن سلك طريق التسوية والرضى بما يمنح له دون تجاوز ذلك إلى ما هو أبعد منه/

ولعل هناك من يعترض على هذا الإستنتاج بناء على ما عرف عن الرئيس إلى حد الآن من عناد ومضي فيما يعن له غير عابئ بالإعتراضات أو بالمآلات والعواقب والرأي عندي أن الضغوط الخارجية والمؤسساتية عليه لم تبلغ إلى الآن أعلى مستوياتها وأن فكرة تحجيم النهضة قد تغري البعض بعدم كبح جماح الرئيس ومسعى محيطه وحلفائه لتهرئة النهضة وهرسلتها وإحداث الفراغ حولها وسحب البساط منها وإفقادها عناصر قوتها وتجفيف منابعها والمزايدة عليها بالغلو في الدين واستمالة حاضنتها الشعبية المحافظة والطهورية كي تغير ولاءها وأصواتها إلى ما سواها حتى لا تحافظ على وزنها واقتدارها.

كل هذا يدعونا إلى اليقظة وحسن تقدير الموقف والأمور وعدم رفض أي مبادرة جادة للصلح والتعايش ففي ذلك إفشال لمخطط الغلاة من شعبويين وفاشيين واستئصاليين.

إن ما عرفته البلاد خلال الأيام الأخيرة بعد خطاب الرئيس الصادم والمغامر من استفاقة قانونية وسياسية ديمقراطية مؤشر عام على إمكانية تشكيل كتلة تاريخية وجبهة ديمقراطية واسعة وجبهة حكم على أرضية بديل ديمقراطي وطني للإنقاذ يعيد الثقة في مؤسسات الدولة ويعيد الأمل للجماهير وللشباب ويلزم النخبة بالإنخراط في البناء والإصلاح ويعيد الرشد إلى المغامرين .

لا شك أن سياسة التوافق القديمة قد أدت دورها ولعلها استنفذت أغراضها وأن طورا جديدا ستدخله البلاد شوشت عليه نتائج الإنتخابات التي لم تمنح قوى التغيير الأغلبية اللازمة للنهوض بدور القيادة الفاعلة المنسجمة والواثقة كما شوش عليه الأدوار المنوطة بعهدة قوى الثورة المضادة التي صار لها ذراع داخل البرلمان وتمويل سخي وغطاء سياسي وإعلامي من أطراف إقليمية تعمل على محاصرة الحالة الثورية والديمقراطية وتشويهها واستبدالها بفوضى دائمة أو حرب أهلية مدمرة.

لكن الترتيبات التي مهدت للحوار الوطني في ٢٠١٣ وثمنت نتائجه وجعلته إطارا سياسيا بمثابة اتفاق غير مدون لمرحلة كاملة لم نخرج منها بعد نهائيا ، و لا يمكن أن تترك لقيس سعيد أن ينسفها ويغير قواعد السلوك السياسي وإطار العملية السياسية برمتها ولا يمكن أن تسمح للفاشية أن تخرج عن ضوابطها ولا يكون ذلك إلا بدور حازم ومسؤول من الدولة ذاتها لا فقط من الأحزاب أو من الكتل البرلمانية.

ولا يمكن للدولة أن تنهض بهذا الدور التعديلي كاستحقاق وطني وإقليمي ودولي إلا بمحاصرة الفوضى واحتواء مظاهر الإنفلات ومخاطر الإرهاب وقبل ذلك وبعده بفرض علوية الدستور.

وبناء علية فإن أقوم المسالك بعد استدعاء جبهة عريضة للدفاع عن الديمقراطية هو الإلتزام بمقتضيات الدستور والتعجيل بإنشاء المحكمة الدستورية لمنع الطغيان والتغول والسطو على السلطات أو الإنقلاب على الديمقراطية وعلى الشرعية تحت أي عنوان كان ومنع الفوضى التي يمكن أن تنسف المكتسبات وتهدد كيان الدولة .

*قيادي في حركة النهضة

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP