الجديد

بورتريه/ محسن مروزق: "المزروب" يحسم في "ارث الباجي" وينتصر "لجيل الشاهد"  

هشام الحاجي
اختار محسن مرزوق، ان يعود هذا الاسبوع، لصدارة المشهد السياسي، من واجهة التأكيد على انه على “العهد”، و ذلك في اجتماع شعبي، حمل رسالة مزدوجة، من خلال حضور شعبي مهم، و ايضا سياسي، أراد أن يؤكد من خلاله، انخراط “مشروع تونس”، في مرحلة جديدة، كلها  – في الظاهر – “مفارقات سياسية “، حسب قراءات تعتبر ان محسن مرزوق، قد اختار التوفيق بين المتناقضات.
فهو متحالف مع حركة “النهضة”، من خلال الحكم معها في حكومة “الائتلاف الوطني”، و لكنه حريص على ان يبقى معارضا لها في المستوى الايديولوجي . لكن العمل السياسي، هو في العمق، “اشتغال” على المفارقات و التناقضات، من اجل تطويعها و تحويلها، الى “توافقات “، في ما يمكن التوافق حوله، و الى مجال للتنافس السلمي، الذي يحتكم للمؤسسات و الانتخابات.
و هو ما برز بوضوح من خلال “خطاب العهد” صبيحة يوم الأحد، 9 ديسمبر 2018، الخطاب الذي حرص فيه محسن مرزوق، على تبيان الالتزام بالاستجابة للتطلعات الشعبية، و “نضال ” من اجل “تطويع الخصم الايديولوجي “، بالطرق السلمية  و تأكيد على الوفاء بالعهد للحلفاء الجدد،  الذين يعتبر رئيس الحكومة يوسف الشاهد ممثلهم و محور امالهم.
و لا شك ان عهد مؤسس “مشروع تونس”، يمكن ان يكون خطوة فارقة في مسيرة ناشط سياسي، لا مجال للحياد حين يتعلق الامر بتقييمه، لان اعجاب البعض به لا يقابله الا رفض البعض الاخر له.
في مسيرة محسن مروزق، ما يدعو الى اقحام العامل “العاطفي “، عند التقييم و هو الحريص على وسامته و على انتقاء عباراته، و على توظيف ثقافته في “معاركه السياسية”، التي تعود الى سنوات المراهقة.
لقد امتزج اكتشاف ماركس و الفلسفة، بالشغف بالشعر و السينما و بالانخراط في النضال التلمذي و الطلابي، من زاوية نصير البروليتاريا، و المؤمن بان في  “ديكتاتوريتها “، خلاص المجتمع.
بعد “تجنيد قسري في رجيم معتوق، و دراسة جامعية ناجحة في علم الاجتماع، اتجه محسن مرزوق، الى غير ما اعتاد ابناء جيله من اليساريين التوجه اليه، اذ ابتعد عن العمل السياسي الحزبي، و لم ينخرط في العمل النقابي.
بل أنه طرق باب مجال مستجد، و هو الجمعيات و المنظمات الأهلية، ليهتم بالتربية على حقوق الانسان، و بالثقافة الديمقراطية، و ليكاد يكون في مطلع هذه الالفية اكثر التونسيين تمكنا من اليات المصالحة الوطنية و العدالة الانتقالية.
هذا “الاختصاص”، اغرى محسن مرزوق، بأن يقترب “لمركز الفعل السياسي” بعد 14 جانفي 2011  من “الفضاء الموازي “، من خلال تأسيس المجلس “التأسيسي الموازي” . من خلال هذا الموقع  تجنب محسن مرزوق ان يلتحق برفاق الامس من ابناء السيار، الذين اصبحوا ينشطون بصفة علنية دون ان يعارضهم، و استطاع ايضا ان يرصد عن قرب المخاض السياسي و المجتمعي الحاد، الذي تعيشه تونس و ان ينسج علاقات جديدة من اهمها تلك التي ربطها مع الباجي قائد السبسي.
علاقة امتزج فيها الاعجاب المتبادل ببعض “التناقضات “، التي لم تبرز الا بعد ان اصبح الباجي قائد السبسي اول رئيس منتخب للجمهورية الثانية . قد يكون محيط الرئيس العائلي، لعب دورا في تعميق هذه التناقضات، من خلال التأكيد على ان محسن مرزوق “مزروب “، لان يحل محل الباجي قائد السبسي على راس الجمهورية.
هذا الخلاف دفع مروزق لان يؤسس “مشروع تونس”، بعد ان ادرك هو و من التحق به من نواب و اطارات ان البقاء في حزب رئيس الجمهورية قد اصبح مستحيلا. و اذا كان “المشروع” قد عرف ما عرفته اغلب الاحزاب السياسية من استقالات و توترات، و لم يحقق في الانتخابات البلدية “اختراقا انتخابيا” كبيرا،  فانه قد استطاع ان يكون رقما مهما في المشهد السياسي، و ان يكون خاصة افضل حزب من بين الاحزاب، التي خرجت من “عباءة نداء تونس”.
و اذا كان البعض يعتبر محسن مرزق “مزروبا”، فان البعض الاخر يعتبره مترددا، خاصة في احداث قطيعة سياسية واضحة مع الباجي قائد السبسي و “مناوراته” التي لا تنتهي.
مؤسس “مشروع تونس”، استنجد بكلمة “مزروب”، في خطابه السياسي يوم الأحد الفارط، ليشير الى انه “مزروب “، على تحقيق كل تطلعات التونسيين و التونسيات،  السياسية و الاقتصادية،  لذلك اختار الحسم، من خلال وضع يده في يد يوسف الشاهد، وبالتالي القطع نهائيا مع م” مناورات البجبوج”،  و قتل دون ضجيج الاب،  ليدخل مرحلة جديدة هي بكل تأكيد مرحلة مختلفة وتحتوى على “مقامرة”.
خطاب الأحد فيه الكثير من “المقامرة”، فهو يعبر عن اختيار التعاطي مع واقع متغير بسرعة ومع جيل جديد، وهو ما يفترض بالأساس ممارسة و هو قدرة على التعاطي مع نتوءات الواقع، و اكراهات الفعل السياسي دون نسيان الثوابت.
رهان جديد يفترض “نضج” اشد،  في “ساحة” تزداد فيها “صراعات و طموحات الذوات “المتضخمة “، و تتراكم فيها المهام غير المنجزة، و يزداد فيها الاستقطاب الايديولوجي حدة يوما بعد يوم، و هو ما يفرض على رجل السياسة، ان يكون صاحب رؤية و قراءة صائبة للماضي و الحاضر، من اجل حسن “توجيه ” المستقبل والتحكم فيه أكثر ما يمكن.
 
 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP