الجديد

في الذكرى 64 لإعلان الجمهورية .. تونس في مواجهة “الانفجار الاجتماعي”

منذر بالضيافي

ما حصل اليوم، في الذكرى 64 لعيد الجمهورية، من حراك احتجاجي، شمل العاصمة تونس وعدد من المدن الكبرى مثل سوسة وصفاقس، رفعت فيه شعارات ضد المنظومة الحاكمة، ومطالبة بحل البرلمان، وهي في الواقع شعارات ليست بالجديدة، اذ أنها مطلب قطاع واسع من النخب والسياسيين وحتى داخل المجتمع، منذ فترة.

وذلك بسبب الأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد، والتي خلفت تردي كبير في الأوضاع الاجتماعية، برز من خلال تدهور المقدرة الشرائية وتزايد نسب الفقر، وهي كلها تمثل تربة خصبة للغضب والاحتجاج، الذي قد يأخذ أشكال عنيفة، على غرار ما حصل اليوم من هجوم على بعض مقرات حزب “حركة النهضة”، في اشارة عنوانها الأول، تحميل هذا الحزب – الذي يشارك في الحكم طيلة العشرية الأخيرة – المسؤولية عن حالة الفشل العام التي تردت اليها تونس.

وقد زادت ازمة الكوفيد، التي نجم عنها الآلاف من الوفايات والإصابات، في تزامن مع تصاعد وتيرة الانهيار الاقتصادي وما صاحبه من تفقير لفئات واسعة من المجتمع وانهيار مدوى للطبقة الوسطى ( اساس الاستقرار المجتمعي).

وزادت الطريقة السلبية لتعاطي السلطات مع كل هذه الأزمات، في تعميق حالة القطيعة بين المجتمع والدولة (الطبقة الحاكمة)، وكان من الطبيعي أن تخلف هذه الوضعية ندوبا عميقة في نفسية التونسيين.

وهو ما برز من خلال حراك اليوم الاحتجاجي، سواء من جهة تمدده  وقدرته على التعبئة برغم الوباء وسخونة الطقس والحصار الأمني، أو من خلال ما صاحبه من بعض أعمال العنف، وهي وضعية مرشحة أكثر للتصعيد،  و سيكون لها تأثير عميق على الحراك السياسي والمجتمعي القادم، و سيجعل البلاد مقدمة على تحولات كبيرة وعميقة، لعل أبرزها ربما “التضحية” بمسار الانتقال الديمقراطي، الذي اصبح بلا حاضنة لا شعبية ولا أيضا نخبوية، فضلا عن تراجع الحماسة له من الخارج، الذي دعمه ووقف الى جانبه بالعدة والعتاد.

ما حصل اليوم، هو مقدمة لما هو قادم، وبعيدا عن شيطنة الحراك الاحتجاجي، او قراءته من منظور نظرية المؤامرة، فان ما حصل كان متوقعا، في ظل تراكم الفشل في ادارة وحكم البلاد، وهيمنة الصراعات السياسية.

وما نجم عنها من اهمال للجوانب الاقتصادية والاجتماعية ، اذ كانت الطبقة السياسية في الحكم وكذلك المعارضة، طيلة السنوات العشر الاخيرة ” تتلذذ” بصراعاتها العبثية، التي نجم عنها انهيار الاقتصاد وتفكك مؤسسات الدولة وضعفها.

ما جعل الدولة  عاجزة عن تأمين الخدمات الاساسية، وهو ما كشفته بل عرته أزمة الكورونا ، التي فشلت السلطة التنفيذية في ادارتها، ما جعل بلادنا تتصدر ارقام الوفيات، بعد وفاة قرابة 20 الف وكذلك تسجيل الاف الاصابات، ما حول تونس الى بلد منكوب تتقاطر عليه الاعانات والمساعدات الدولية.

و في هذا المناخ تغذى الغضب المجتمعي، الذي هو بصدد التصاعد ولا يستبعد ان يأخذ شكل انفجار اجتماعي. خصوصا وان كل الاسباب تدفع نحو ذلك دفعا، لعل ابرزها تواصل صراعات اجنحة السلطة، التي يبدوا ان بعضها اختار الاستثمار في مزيد تعفين المعفن، بوعي او دونه او بسبب حسابات خاطئة ، دون ادراك ان السقف اذا سقط لن يستثني احدا.

وما يجب ادراكه – خصوصا من قبل السلطة السياسية – أن ما حصل اليوم هو مؤذن بتطورات قد يكون نسقها متسارع، خصوصا وان هناك ما يشبه الاقرار بأن الازمة بصدد الانزلاق نحو المكروه، والانفلات بالتالي من ايدي الجميع، بما في ذلك من يخيل له انه في مأمن، في استعادة لسيناريو ديسمبر 2010 – جانفي 2011.

من موقعنا، نشدد على أنه لم نفاجئ ابدا بما حصل اليوم، برغم ادانتنا للعنف والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، حيث كنا – وبلا غرور – اشرنا في مقالاتنا وكتبنا وفي هذا الفضاء، الى ان الاوضاع مرشحة لتوترات اجتماعية، لا يستبعد ان تأخذ صورا واشكالا عنيفة، تهدد وحدة المجتمع والدولة معا، خاصة بعد الارتفاع الكبير في منسوب أزمة الثقة بين الناس وحكامها، وتردي كل مستويات المعيشة والخدماتية.

دون تعجل او تسرع، نقدر ان تونس دخلت اليوم طور جديد، وان الاوضاع كما هي الان لا يمكن ان تستمر، ولابد من التسريع بإيجاد تسوية عاجلة، تخفف من وطأة الاحتقان المجتمعي، وتفتح ثغرة لحل سياسي، في ما يعتبر بالفرصة الاخيرة قبل حصول الزلزال، الذي قد يأتي على الأخضر واليابس.

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP