الجديد

قرارات قيس سعيد .. نهاية نهضة الغنوشي

منذر بالضيافي

بدأت متاعب زعيم حركة النهضة ( اخوان تونس)، راشد الغنوشي منذ قرر الترشح للانتخابات التشريعية 2019 ثم رئاسته للبرلمان، خطوة اعتبرت داخل وخارج “الجماعة” بمثابة “خطأ جسيم”،  زادت من منسوب عدم الثقة في زعيم حركة النهضة، وهو ما أكدته كل عمليات سبر الآراء، التي كشفت على أنه الشخصية السياسية الأبرز، التي لا تحظى بثقة التونسيين، خصوصا في ظل فشل “الشيخ” في ادارة المؤسسة التشريعية، وأيضا تعمده  “تحويل وجهتها”، وجعلها سلطة و “رئاسة” مستقلة بذاتها وذات نفوذ .

ما جعله يدخل في تنافس مبكر مع رئيس الجمهورية، ليدشن بذلك بداية صراع مفتوح مع القصر، صراع استطاع خلاله قيس سعيد المستجد على المشهد السياسي، والفاقد لكل سند حزبي وارتباط خارجي، أن يلحق هزيمة ب “الضربة القاضية” بالشيخ الثمانيني، الزعيم صاحب “الجلد الخشن”، كما قال عن نفسه في تصريح منسوب اليه.

بعد قرارات 25 جويلية الجاري، التي يبدو ان “الشيخ” لم يتوقعها، والتي وقف عاجزا عن الرد عليها، برغم تحرك باهت أمام البرلمان، وحملة “دعاية” خارجية، فشلت في اقناع صناع القرار في عواصم الغرب وأمريكا، نقدر أن قرارات الرئيس سعيد التي جمدت وعلقت رئاسة الغنوشي للبرلمان، وأحدثت شرخا داخل حزبه، لا يستبعد أن تنهي “نهضة الغنوشي” (التي امتدت من سبعينات القرن الماضي الى اليوم)، مثلما أنهت وجود حركات الاسلام السياسي في الحكم، التي صعدت له مع  ثورات “الربيع العربي”.

الشيخ .. الخاسر الأكبر

أقدر أن “الشيخ” راشد الغنوشي، زعيم حركة “النهضة”، هو الخاسر الأكبر من  قرارات 25 جويلية 2021، التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد، استنادا  للفصل 80 من الدستور، و التي بمقتضاها تم تجميد البرلمان الذي يرأسه الغنوشي، ورفع الحصانة عن كل النواب، والشروع في تتبعات قضائية ضد البعض منهم، وسط تصاعد المطالب الداعية الى عدم عودة البرلمان للاشتغال، الذي يرون فيه يمثل أسوأ تعبيرات المنظومة السياسية، التي كانت وراء اعلان الرئيس سعيد عن “الخطر الداهم”، بعد أن “باتت الدولة مهددة بالتفجير من الداخل”، فضلا عن حالة العجز الحكومي في ادارة وتسيير البلاد.

تم تحميل حكومة هشام المشيشي المسؤولية عن حالة الفشل الكبير الذي تردت اليه الأوضاع في البلاد، وتحديدا الحزب الرئيسي الداعم للحكومة حركة النهضة – التي صمدت في الحكم خلال كامل العشرية الأخيرة – المساند الأساسي للحكومة، من خلال هيمنتها على مجلس نواب الشعب، الذي حوله رئيسها الى “سلطة”، تنافس السلطة التنفيذية في مهامها ووظائفها، وحتى في تمثيليتها بالخارج وفي العلاقات الدبلوماسية.

تحميل حركة النهضة الفشل

وهو ما رفضه مرار وتكرارا الرئيس سعيد، الذي شدد في أكثر من مناسبة على أنه الرئيس الوحيد، رافضا ما أصطلح عليه ب “الرئاسات الثلاث”، التي جاء بها دستور 2014، من خلال نظام سياسي “هجين” جعل السلطة مشتتة، مما حول الدولة الى مجموعة من الجزر، وتذرر السلط ، الأمر الذي جعل البلاد بلا حاكم فعلي مسؤول مباشرة أمام الناس، لتصح المقولة المتداولة: “أنا لا أحكم، وأنت لا تحكم، ولا نترك من يحكم”.

نظام سياسي حرصت حركة النهضة على الانتصار له وفرضه، ما جعل الجميع يحملها مسؤولية فشله، وما صاحب مرحلة ما بعد العمل بدستور 2014 من تعدد للأزمات، والفشل الشامل والمركب الذي انزلقت اليه البلاد، والذي كشفته وعرته أزمة وباء الكورونا 19، التي حصدت أكثر من 20 ألف تونسي، وحولت تونس من صورة بلد صاعد الى بلد منكوب، يعيش على الصدقات والاعانات والديون.

تم تحميل حركة النهضة الفشل، ولعل هذا ما ترجم في أكثر من مناسبة، أخرها الحراك الاحتجاجي الذي شهدته عدة مدن تونسية الأحد 25 جويلية 2021، عبر اعتداءات طالت مقرات حزب النهضة، احتجاجات كانت وراء اعلان الرئيس قيس سعيد، تفعيل الفصل 80 من الدستور، المتضمن لإقرار تدابير استثنائية بسبب أن البلاد تواجه “خطر داهم”.

لتجد بذلك النهضة ورئيسها نفسيهما الطرف المتضرر رقم واحد مما حصل، عبر انهاء حكمها الذي استمر بأشكال وصور مختلفة، منذ انتخابات أكتوبر 2011، ما حصل كان أيضا وراء بداية “تصدع في “البيت النهضوي”، الذي يعاني – أصلا – من هشاشة منذ فترة طويلة، كما يعاني “المرشد” الغنوشي، من تراجع شعبيته في الحركة، ليتم تحميله مسؤولية فشل ادارة الحركة، وبالتالي فشل الحركة في الحكم، لترتفع الأصوات المطالبة برحيل “المرشد”، الذي ترأس الحركة منذ سبعينات القرن الماضي.

للاشارة، فقد خرجت خلافات حركة النهضة للسطح، من خلال تواتر الاستقالات ، كما تم في أكثر من مناسبة تسريب نصوص و بيانات، وان اختلفت في “حدتها” فإنها تلتقي في مقارب نقدية  لفشل سياسات الحركة، في ظل ادارة الغنوشي ومن حوله، من العائلة ومن المؤلفة قلوبهم.

كما تحولت التناقضات الداخلية، الى مادة اعلامية في الداخل والخارج، في “تقليد” يتعارض وطبيعة “الجماعة” (التنظيم الاخواني)، التي تحرص على الاحتكام لمقولة اساسية في أدبياتها وهي: “حق الاختلاف وواجب وحدة الصف”..

التمرد على سلطة “المرشد”

ان المناخ العام داخل الحركة،  اصبح منذ المؤتمر الأخير ( ماي 2016)، ينذر بتفكك البناء التنظيمي، وسط رفض كبير وواسع هو بصدد التمدد لهيمنة الغنوشي والمقربين منه وكذلك عائلته، و غياب التسيير الديمقراطي وعدم الشفافية الادارية والمالية، التي كرست هيمنة راشد الغنوشي و المقربين منه على الحركة، وهو الذي استطاع “تصفية” كل خصومه، ما سمح له بالتربع على “عرش” الحركة، أكثر من نصف قرن.

توجه للغنوشي انتقادات شديدة ،  تجاوزت البيت الداخلي، لتعلن عن نفسها بشكل علني في وسائل الاعلام، صاحبتها استقالات لرموز هامة في الحركة، على غرار حمادي الجبالي وعبد الحميد الجلاصي، و “انسحاب صامت” للشيخ مورو، تزامنت مع اعلان قيادات أخرى “التمرد” على سلطة الغنوشي القانونية – كرئيس منتخب – والرمزية – بوصفه المرشد التاريخي والمؤسس-، من أبرزها عبد الطيف المكي، وزير الصحة الأسبق.

برزت هذه التصدعات، في زمن تخضع فيه الحركة الى ضغط سياسي وبرلماني، فضلا عن كونها تعرف تراجعا في قدراتها “التعبوية” والجماهيرية، مثلما عبرت عن ذلك نتائجها في الاستحقاقات الانتخابية،  اذ مرت من مليون ونصف ناخب سنة 2011 ، الى أقل من 500 ألف ناخب في الاستحقاق الانتخابي التشريعي لسنة 2019.

كما أنها عجزت عن ايصال مرشحها للرئاسة – عبد الفتاح مورو – للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، وهو ما أعتبر نتيجة “مذلة” وأيضا تعبير عن عدم تحمس قيادة الحركة، بزعامة الغنوشي لإيجاد منافس له يتبوأ “مكانة” أفضل منه، وهو ما لا يسمح به “المرشد”، الذي أغوته مناصب الحكم و “بهرج” السلطة، من خلال دخوله غمار الانتخابات واعتلائه سدة رئاسة البرلمان، ليكون حاضرا في المشهد الصانع للقرار السياسي في الداخل، وليمارس من تحت “قبة باردو” دور خارجي، من خلال ما يسمى بالدبلوماسية البرلمانية، وفي هذا الصدد كانت تحركاته وارتباطاته واتصالاته الخارجية، محل نقد لا داخل البرلمان فقط بل في المشهد السياسي والاعلامي، وصل حد الدعوة لمساءلته ثم المطالبة بسحب “التكليف” منه.

نهاية عشرية الاسلام السياسي

مما تقدم، يتبين أن “متاعب” الغنوشي” قد تزايدت وتضاعفت، داخل الحركة وخارجها،  منذ رئاسته لمجلس نواب الشعب، والذي نجم عنه حصول ارتباك في القرارات والسياسات، وهو “فشل” يتحمل مسؤوليته ووزره رئيس الحركة، الذي يمسك بكل خيوط القرار السياسي ، مثلما نصت على ذلك مخرجات المؤتمر العاشر للحركة، ولعل حل المكتب التنفيذي يعد بمثابة اقرار من الغنوشي، على صواب النقد الذي وجه له، والذي يحمله مسؤولية الانحراف بالخط السياسي للحركة، مما أدى الى تراكم الأخطاء وفقدان البوصلة.

من بين الأخطاء التي ميزت فترة رئاسة الغنوشي للحركة، تلك المتصلة بارتباطه الكبير بسياسات المحاور الخارجية،  والتي أصبحت مكشوفة للعيان، برغم محاولة “تبريرها” مرة تحت “يافطة” ما يسمى ب “الدبلوماسية الشعبية” ، ثم تحت مسمى “الدبلوماسية البرلمانية”، والتي اصبحت محل رفض وتنديد من قبل جل مكونات المشهد السياسي والبرلماني، خاصة بعد تعدد الأخطاء،  على غرار المكالمة الهاتفية التي “هنأ” فيها فايز السراج بانتصاره العسكري على “غريمه” حفتر، ما اعتبر حينها تدخلا مباشرا في الشأن الليبي، و “توريط” لتونس في أتون أزمة معقدة.

و بذلك أعلن بصفة علنية وأمام الملأ عن انخراطه العلني،  في المحور “التركي – القطري – الاخواني” ، على خلاف وتناقض تام مع ثوابت الدبلوماسية التونسية،  تجاه الأزمة الليبية والتي تتمسك بحل ليبي- ليبي،  وباحترام الشرعية الدولية، موقف كلف الغنوشي والنهضة “غاليا” بعد تحرك  كتل برلمانية، والذي تطور نحو “الأسوأ” ، عبر اخضاعه  “لمحاكمة” حول  ما يسمى ب “الدبلوماسية البرلمانية” ، وهو ما زاد من متاعب “الشيخ” و “الحركة”، التي وصلت حد “الانهيار” مع حكومة هشام المشيشي، التي أسقطها الرئيس سعيد، بعد تفعيل الفصل 80 من الدستور، وأسقط معها حكم “اخوان تونس”،  آخر معاقل حكم “الجماعة”، وآخر معاقل “الربيع العربي” الذي انطلق من تونس، في 14 جانفي 2011، وقبر فيها في 25 جويلية 2021.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP