الجديد

بعد تواتر الحديث عن "تخطيط للفوضى" .. هل هو "استباق للاحتجاجات" أم أن هناك "خطر حقيقي داهم"؟

كتب منذر بالضيافي
نقلت اذاعة “موزاييك”، اليوم الجمعة 14 ديسمبر2018،  نقلا عن  من مصادر قالت أنها “رسمية ومطلعة”، ما مفاده “أن عمليات أمنية نوعية كشفت عن وقوف متهمين بالفساد، وراء تمويل وتأجيج الاحتجاجات باقتراب شهر جانفي”.
وأضافت “موزاييك” نقلا عن ذات ” المصادر الرسمية والمطلعة”  أنه “تبيّن وجود تخطيط للقيام بعمليات كبيرة لتحريك الشارع التونسي ورُصد لذلك اعتمادات مالية ضخمة من شخصيات معروفة بالفساد المالي والسياسي” . وأعلنت “أنه من المتوقع أن تعلن السلطات في وقت قريب عن بعض التفاصيل بخصوص هذا الملف”.
تأتي هذه المعلومة،  في سياق يتسم بتصاعد الحراك الاحتجاجي،  وكذلك الاضرابات العمالية، التي يؤطرها الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي دعا الى اضراب عام في 17 جانفي المقبل.
ما يجعلنا نتساءل عن “صدقية” وكذلك “نوايا” مثل هذه “التسريبات”، فهل الغاية منها “استباق” التحركات الاحتجاجية و “التشويش” عليها ؟ أم هي فعلا تعبر فعلا عن “معطيات حقيقية”، تمثل “خطر داهم”، على الاستقرار والسلم الاجتماعيين، وكذلك على الأمن القومي، خصوصا اذا وضعناها في سياق استفحال الأزمة السياسية و”هشاشة” الأوضاع  فضلا عن  تواصل التهديدات “الارهابية” خاصة؟.
تجدر الاشارة الى أن الفترة الأخيرة عرفت تعدد التصريحات من سياسيين ونواب من وجود “مخططات لإرباك الوضع في البلاد”، كان أخرها تحذير الأمين العام لحركة مشروع تونس محسن مرزوق، الأحد الفارط خلال اجتماع عام ببورصة الشغل بالعاصمة، نظمه الحزب تحت شعار على العهد، الذي عاد وحذر “من خطورة المخططات التي تستهدف تونس والتي ترمي بعض الأطراف من خلالها إلى الزج بالبلاد في بوتقة الفوضى والعنف” ، وفق تعبيره.
وقال مرزوق “إن أطرافا معلومة تدعو في كل مرة إلى النزول إلى الشارع وحملات لـما يسمى بـالسترات الحمراء تعمل على نشر الفوضى والعنف في البلاد خلال شهر أو شهرين حتى تتمكن من الحكم”، وفق تعبيره، مضيفا قوله “سنرى قريبا العنف في الشوراع والفوضى إن لم نوقف هذا التيار، من خلال إرساء قطب سياسي قوي يستعيد ثقة المواطنين ويقوم بتشريكهم وتفسير الرهانات السياسية المطروحة على البلاد”.
في ذات السياق دون مؤخرا  الناشط السياسي والجمعياتي جوهر بن مبارك ما يلي: “قريبا ستعطى إشارة الإنطلاق لسياسة الارض المحروقة سيحاولون قلب الطاولة بكلّ عنف و إشعال حرب الكلّ ضدّ الكلّ للإجهاز على العملية السياسية الديمقراطية نهائيا سيبدأ الامر بدفع الناس الى الشوارع للمطالبة بإسقاط الحرية و دوسها بالنعال و التنازل عنها مقابل لقمة العيش سيدفعون المساكين للتهليل للاستعباد و حكم الطغيان ثمّ سيخلطون الحق بالباطل لابطال الدستور و سيعطلون عقول الناس قبل تعطيل عمل المؤسسات الديموقراطية و حلّها و ينتهي الأمر بإلغاء الانتخابات تحت شعار”تصحيح المسار”.
لكن، وفي انتظار “كشف السلطات” عما لديها من “معلومات” و “حقائق”، مثلما ذكرت اليوم الجمعة اذاعة “موزاييك”، فان الكثير من المتابعين للمشهد الاجتماعي في تونس، يقرون بوجود أزمة حقيقية، وأن مثل هذه “التسريبات”،  تهدف الى استباق التحركات الاحتجاجية، وتطويقها عبر العمل على “شيطنتها”.
في هذا الاطار كشف المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أنه تم تسجيل 746 تحركا احتجاجيا خلال شهر نوفمبر الفارط وقد حازت ولايات سيدي بوزيد والقصرين وصفاقس ونابل النصيب الأكبر بحوالي 59 تحركا احتجاجيا تليها ولايات قفصة وتطاوين ومدنين وجندوبة بحوالي 33 تحركا.
وتعود أسباب الاحتجاجات حسب منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى “تردي البنية التحتية وغياب المرافق الأساسية من مياه الشرب والخدمات الصحية والخدمات البريدية هذا بالإضافة إلى رفض الفلاحين في قابس ومدنين وتطاوين انخراط تونس في اتفاق التبادل الحر الشامل مع الاتحاد الأوروبي”.
تجدر الاشارة الى أنه ليست هذه المرة الأولى منذ عام 2011 التي تشهد فيها تونس احتجاجات ناجمة عن الأحوال الاقتصادية السيئة والتي ازدادت سوءا خلال هذه السنة،  فقد شهد شتاء 2016 و 2017  احتجاجات مماثلة نتيجة الإحباطات العميقة من انعدام فرص العمل والتهميش المستمر للجهات الداخلية الى جانب التدهور الكبير في الخدمات وفي المقدرة الشرائية التي أصابت في مقتل الطبقة الوسطى عمود الاستقرار، ونجم عنها تفقير فئات وشرائح كبيرة.
ويتوقع أن تشهد نهاية السنة الحالية وبداية السنة القادمة،  تصاعد في الاحتجاجات والعمالية،  خاصة في ظل تعقد الأزمة السياسية،  التي أخذت بعد “الصراع المفتوح”،  بين رأسي السلطة التنفيذية، و غياب أرضية للحوار والتفاوض بين المركزية النقابية (الاتحاد العام التونسي للشغل) والحكومة، وهو ما يفسر من خلال “تصعيد” نقابة التعليم الثانوي، ومضي الاتحاد في الاعداد للإضراب العام في قطاعي الوظيفة العمومية والقطاع العام، الذي حدد ليوم 17 جلنفي 2019.
كما ساهمت الاحتجاجات على الحكومة وعلى ادارة الشأن العام والتي ترجمت من خلال الرفض لقانون المالية، الذي صادق عليه مؤخرا مجلس نواب الشعب، في تصعيد منسوب الاحتقان الاجتماعي والسياسي في البلاد، حيث دخلت الحكومة في صراع مع العديد من المنظمات والجمعيات المهنية، الذين يتهمونها بالتحول الى “أداة” بيد رجال الأعمال، مشيرين الى أن قانون المالية هو عبارة عن بيان انتخابي لرئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد.
ان الأزمة السياسية، والاحتقان الاجتماعي، هما العنوان البارز، والسمة الأساسية للمشهد التونسي، عشية الاحتفال بالذكرى الثامنة للثورة ( 14 جانفي 2019) وقبل اقل من سنة من تنظيم الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والرئاسية.
وهو ما ذهب اليه تقرير حديث لمركز “كارنجي للشرق الأوسط” ( 7 ديسمبر 2018 )، في مقال مطول تحت عنوان: “أهداف تونس الثورية لا تزال عالقة”، أشار من خلاله الى أن تونس التي ” توصف بأنها قصة النجاح اليتيمة في الربيع العربي. لكن، وبعد مرور نحو ثماني سنوات على ثورة 2010-2011، لاتزال وتائر السخط الشعبي ومشاعر العجز والإعياء العامة مرتفعة ومتنامية. وقد بدأ يتضح بجلاء على نحو مطرد بأن الحرية السياسية غير كافية وحدها لتعزيز وتوطيد الديمقراطية الناشئة. و الآن، إذا ما تعثرت المرحلة الانتقالية الراهنة، ستكون المضاعفات مدمّرة على كلٍ من تقدم البلاد واستقرار المنطقة”.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP